أسعار النفط بين قيود أوبك+ ومخاوف زيادة المعروض العالمية

شهدت أسعار النفط العالمية ارتفاعاً ملفتاً تجاوز 1% في تداولات الأربعاء، مدعومة بقرار تحالف “أوبك+” (منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفائها بقيادة روسيا) بضبط زيادته الإنتاجية لشهر نوفمبر. هذا الارتفاع الأولي، الذي دفع خام برنت ليقترب من مستوى 66.27 دولاراً للبرميل وغرب تكساس الأمريكي (WTI) إلى 62.58 دولاراً، لا يخلو من التناقضات، إذ يواجه السوق تحدياً كبيراً يتمثل في شبح تخمة المعروض النفطي الوشيك.
يجد سوق الطاقة نفسه حالياً في معركة شديدة بين عاملين متعارضين: جهود المنتجين للحفاظ على التوازن، وتدفق الإمدادات الإضافية من خارج التحالف، مما يجعل مسار أسعار النفط المستقبلي محفوفاً بالمخاطر.
قرار “أوبك+”: جرعة حذر في مواجهة ضغوط السوق
جاءت الزيادة المقررة من مجموعة “أوبك+” لشهر نوفمبر 2025 بمقدار 137,000 برميل يومياً فقط، وهي زيادة أقل مما كان يتوقعه بعض المستثمرين. يمثل هذا القرار، الذي وصفه محللون بـ “الحد الأدنى”، استراتيجية حذرة من المجموعة تهدف إلى دعم أسعار النفط دون إغراق السوق بكميات كبيرة.
ويعكس هذا الحجم المتواضع للزيادة إدراكاً من التحالف للمخاطر الهيكلية التي تلوح في الأفق. فبرغم الإشارات الإيجابية الظاهرة في تراجع المخزونات في بعض الأسواق، لا تزال التوقعات طويلة الأجل تشير إلى نمو قوي في الإمدادات من خارج “أوبك+”، لا سيما من الولايات المتحدة.
وقد علق تاماس فارغا، محلل النفط في PVM، بأن هذا القرار “البسيط” من “أوبك+” كان كافياً لتوفير بعض الدعم الفوري للأسعار، مؤكداً على أهمية الخطوة في التأثير على معنويات السوق.
مخاوف تخمة المعروض: الإنتاج الأمريكي يكسر التوقعات
إن الدعم الذي تلقته أسعار النفط من “أوبك+” يواجه ضغوطاً متصاعدة من جانب العرض. تشير التقارير إلى أن الولايات المتحدة، المنافس الأكبر للتحالف، تتجه نحو تسجيل إنتاج نفطي قياسي هذا العام، متجاوزة التوقعات السابقة لإدارة معلومات الطاقة (EIA).
كما عززت البيانات الأخيرة المخاوف بشأن وفرة الإمدادات:
- المخزونات الأمريكية: أفادت مصادر مطلعة على أرقام معهد البترول الأمريكي (API) بأن مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة ارتفعت بمقدار 2.78 مليون برميل في الأسبوع المنتهي في 3 أكتوبر، مما يشير إلى ضعف في الطلب المحلي أو زيادة في المعروض. وفي المقابل، تراجعت مخزونات البنزين ونواتج التقطير، مما يقدم صورة متباينة للسوق.
- توقعات جولدمان ساكس: يتوقع بنك جولدمان ساكس تراكم مخزونات بمقدار 1.5 مليون برميل يومياً في الربع الأخير من هذا العام، مشيراً إلى أن الفائض قد يتضخم ليصل إلى 2 مليون برميل يومياً على مدى الفترة من الربع الرابع 2025 إلى الربع الرابع 2026، رغم الطلب الموسمي القوي.
هذه التوقعات تضع ضغطاً هبوطياً كبيراً على أسعار النفط العالمية، حيث يرى المستثمرون أن الزيادة المتواضعة من “أوبك+” قد لا تكون كافية لامتصاص كل هذا المعروض الإضافي القادم من المنتجين الآخرين.
ترقب البيانات والموازنة بين العرض والطلب
الارتفاع بنسبة 1% الذي شهدته العقود الآجلة لخامي برنت و غرب تكساس الوسيط يعكس تفاعلاً فورياً وإيجابياً مع الحذر الذي أبدته “أوبك+”. ومع ذلك، فإن هذا الارتفاع يظل محدوداً بفعل عوامل المخاطر المذكورة.
يظل المستثمرون يترقبون بيانات المخزونات الرسمية من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) التي ستصدر في وقت لاحق من الأربعاء، والتي غالباً ما تكون أكثر تأثيراً في تحريك الأسواق من أرقام معهد البترول الأمريكي. كما أن تراجع المخاوف بشأن اضطرابات الإمدادات الروسية، حيث استقرت شحنات النفط الروسية قرب أعلى مستوياتها في 16 شهراً، يسهم في كبح جماح أي مكاسب كبيرة ومستدامة للأسعار.
في الختام، يمكن القول إن سوق النفط يعيش حالة من التجاذب الشديد. فبينما تحاول “أوبك+” إدارة جانب العرض بذكاء لتفادي انهيار الأسعار، فإن طفرة الإنتاج من خارج المجموعة، خاصة من الولايات المتحدة، وتزايد المخزونات تظل السمة المهيمنة التي تحدد سقف أسعار النفط على المدى القريب.
اقرأ أيضا…