أخبار الأسواقأخبار الذهبسلع

أسعار الذهب تحطم حاجز الـ 4000 دولار لأول مرة في مسيرة قياسية

شهدت أسعار الذهب ارتفاعا تاريخيا غير مسبوق، حيث اخترقت حاجز الـ 4000 دولار للأوقية يوم الأربعاء للمرة الأولى على الإطلاق. يمثل هذا المستوى نقطة تحول نفسية وفنية مهمة، مما يؤكد الزخم الهائل الذي يحظى به المعدن النفيس. يأتي هذا الارتفاع القياسي مدفوعًا بتدفق المستثمرين نحو الملاذ الآمن بحثًا عن غطاء من حالة عدم اليقين الجيوسياسي المتصاعدة، إلى جانب المراهنة القوية على استمرار تخفيضات أسعار الفائدة الأمريكية.

قفز سعر الذهب الفوري بنسبة 1.2% ليصل إلى 4,032.46 دولار للأوقية بحلول الساعة 06:53 بتوقيت جرينتش، بينما ارتفعت العقود الآجلة للذهب الأمريكي لشهر ديسمبر بنسبة 1.3% مسجلة 4,054.80 دولار للأوقية. يُعد هذا الأداء امتدادًا لمسيرة قياسية، حيث ارتفع الذهب الفوري بنسبة 53% منذ بداية العام، بعد أن سجل مكاسب بلغت 27% في عام 2024، مما يجعله واحداً من أفضل الأصول أداءً.

الذهب كملاذ آمن: مزيج العوامل الدافعة للارتفاع وعمق تأثيرها

يُنظر إلى الذهب تقليديًا على أنه مخزن للقيمة ومحفظة حصينة خلال أوقات عدم الاستقرار. وقد أثبت المعدن الأصفر جدارته في ظل بيئة اقتصادية تتسم بالتعقيد المتزايد.

يُعزى هذا الارتفاع الجامح إلى مزيج معقد من العوامل الاقتصادية والسياسية، أبرزها:

  1. آلية خفض أسعار الفائدة وتأثيرها على العائد الحقيقي: يراهن المستثمرون الآن على خفض قدره 25 نقطة أساس في اجتماع الاحتياطي الفيدرالي هذا الشهر، مع توقع خفض إضافي بنفس القيمة في ديسمبر. تعمل أسعار الفائدة المنخفضة على تقليل تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالذهب الذي لا يدر عائدًا. الأهم من ذلك، فإن تخفيض الفائدة في ظل تضخم مستمر يؤدي إلى فائدة حقيقية سلبية (Real Interest Rates)، وهي أكبر محفز لاستثمار أسعار الذهب. عندما يكون العائد على السندات الحكومية أقل من معدل التضخم، يفقد حائزو النقد قوته الشرائية، مما يدفعهم بشدة نحو الأصول الملموسة مثل المعدن النفيس.
  2. تصاعد عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي: تُغذي مستويات عدم اليقين المتزايدة المكاسب في أسعار الذهب. ومع دخول إغلاق الحكومة الأمريكية يومه السابع، تأجل إصدار مؤشرات اقتصادية رئيسية وحيوية (مثل تقارير الوظائف والتضخم)، مما أجبر المستثمرين على الاعتماد على بيانات ثانوية وغير حكومية لتقييم توقيت ومدى تخفيضات الفيدرالي بدقة. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت الاضطرابات السياسية التي لوحظت في فرنسا واليابان في تعزيز الطلب على المعدن كملاذ آمن عالمي، حيث يبحث رؤوس الأموال عن استقرار بعيداً عن تقلبات العملات المحلية.
  3. شراء البنوك المركزية وتغير موازين القوى: يستمر الطلب القوي من قبل البنوك المركزية حول العالم، التي تسعى لتنويع احتياطاتها بعيداً عن الدولار الأمريكي. لم يعد هذا الشراء مجرد تنويع روتيني، بل هو توجه هيكلي يعكس الرغبة في تنويع الاحتياطيات والتحوط من المخاطر الجيوسياسية والعقوبات الاقتصادية المحتملة. هذا الطلب الرسمي، الذي يعمل بمعزل عن التقلبات السعرية اليومية، يوفر أرضية صلبة وداعمة لـ أسعار الذهب على المدى الطويل.
  4. تدفقات صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) وعامل “الخوف من الفوات”: شهدت الصناديق المدعومة بالذهب تدفقات استثمارية كبيرة، في حين أن ضعف الدولار يجعل الذهب أرخص لحاملي العملات الأخرى. كما أن عامل “الخوف من فوات الفرصة” (Fear of Missing Out – FOMO) لعب دوراً نفسياً كبيراً، حيث انضم مستثمرون جدد ومؤسسات إلى الرالي بسرعة لتجنب خسارة المزيد من المكاسب القياسية، مما أدى إلى دفع الأسعار لأعلى بوتيرة أسرع من المتوقع.

آفاق الذهب المستقبلية والمخاطر الفنية قصيرة الأجل

يرى المحللون أن الاتجاه الصعودي مدعوم بعوامل هيكلية يصعب تغييرها على المدى المتوسط، مثل تنامي الديون الضخمة وتنويع الاحتياطيات. إن الزيادة الهائلة في الديون الحكومية العالمية تثير مخاوف مستمرة بشأن التضخم وقيمة العملات الورقية على المدى الطويل، مما يعزز جاذبية الذهب كأصل غير مرتبط بالتزامات حكومية. وأشار المحلل المستقل تاي وونغ إلى أن السوق يتطلع الآن إلى الرقم القياسي التالي وهو 5,000 دولار، طالما استمر الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة.

وتشير التطورات التقنية إلى استمرار الزخم:

  • مستويات المقاومة والدعم: بعد كسر حاجز الـ 4,000 دولار، أصبحت المستويات التقنية الجديدة للمقاومة تقع بين 4,050 دولار و 4,100 دولار. هذه المستويات ستكون اختباراً لحجم عمليات الشراء. في المقابل، تحول مستوى المقاومة السابق عند 3,900 دولار إلى أول منطقة دعم رئيسية، ومن المتوقع أن تعمل كـ “منطقة ارتداد” في حال حدوث تصحيح.
  • توقعات 2026: تتوقع مؤسسات مالية كبرى مثل جولدمان ساكس وUBS استمرار دعم أسعار الذهب حتى عام 2026، مما دفعها لرفع توقعاتها السعرية للمعدن النفيس، معتبرة أن العوامل الهيكلية الحالية ستطغى على أي انتعاش اقتصادي دوري محتمل.

بالرغم من الدوافع القوية، يظل هناك خطر قصير الأجل يتمثل في إغراء جني الأرباح (Profit-Taking) حول مستوى الـ 4,000 دولار، والذي قد يؤدي إلى تقلبات سعرية حادة ومؤقتة. إضافة إلى ذلك، فإن أي هدنة دائمة محتملة في الشرق الأوسط أو أوكرانيا قد تقلل من الطلب الفوري على الملاذ الآمن، وإن كانت العوامل الاقتصادية الأساسية ستظل داعمة.

تطورات المعادن الثمينة الأخرى

شهدت أسواق المعادن النفيسة الأخرى ارتفاعات مماثلة، حيث صعدت الفضة بنسبة 1.6% لتسجل 48.57 دولار للأوقية، وارتفع البلاتين بنسبة 1.6% إلى 1,644.40 دولار، بينما قفز البلاديوم بنسبة 3.1% إلى 1,378.86 دولار. يعكس هذا الأداء المتزامن شعوراً عاماً بالتحوط في قطاع المعادن الثمينة، إلى جانب تفاؤل جزئي بشأن الطلب الصناعي المستقبلي على هذه المعادن في سياق التوقعات بتخفيف السياسة النقدية.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى