الأسهم الأمريكية تتراجع بعد 7 أيام من المكاسب ومخاوف الإغلاق الحكومي تُلقي بظلالها

شهدت الأسهم الأمريكية تراجعاً ملحوظاً في تداولات يوم الثلاثاء، لتنكسر بذلك سلسلة انتصارات مؤشر S&P 500 التي دامت سبعة أيام متتالية. وجاء هذا التراجع مدفوعاً بعاملين رئيسيين: انخفاض أسهم شركة أوراكل (Oracle) على خلفية تساؤلات حول ربحية الذكاء الاصطناعي (AI)، واستمرار حالة القلق بشأن الإغلاق الحكومي الأمريكي الذي دخل أسبوعه الثاني دون حل يلوح في الأفق. هذه العوامل المشتركة خلقت بيئة من عدم اليقين، ما دفع المستثمرين إلى جني الأرباح والتحول إلى مراكز أكثر حذراً.
أغلق مؤشر S&P 500 تداولاته على انخفاض بنسبة 0.38% ليستقر عند 6,714.59 نقطة. كما تراجع مؤشر ناسداك المركب، الذي يهيمن عليه قطاع التكنولوجيا، بنسبة 0.67% ليغلق عند 22,788.36 نقطة. فيما فقد مؤشر داو جونز الصناعي 91.99 نقطة، أي ما يعادل 0.2%، ليختتم الجلسة عند 46,602.98 نقطة، مما يؤكد أن الضغوط البيعية لم تقتصر على قطاع واحد بل شملت السوق الأوسع.
أوراكل والذكاء الاصطناعي تضغط على الأسهم الأمريكية
قادت أسهم أوراكل موجة التراجع في قطاع التكنولوجيا، بعد تقارير إخبارية أشارت إلى أن الشركة تحقق هوامش ربح أقل بكثير مما كان يقدره المحللون في أعمالها السحابية. وتضمنت التقارير إشارات إلى أن العملاق البرمجي يخسر أموالاً في بعض صفقات تأجير رقائق إنفيديا (Nvidia) الخاصة به لخدمات الحوسبة السحابية.
أدى انخفاض سهم أوراكل بنسبة 2.5% إلى دفع مؤشر ناسداك إلى أدنى مستوياته في الجلسة، ما سلط الضوء على حساسية السوق تجاه أي مؤشرات سلبية تخص الذكاء الاصطناعي. لطالما ارتفعت الأسهم الأمريكية، وخصوصاً التكنولوجية منها، بناءً على التوقعات المتفائلة بالذكاء الاصطناعي، وهذا التقرير بمثابة تذكير للمستثمرين بأن الإنفاق الرأسمالي الضخم في هذا المجال لا يضمن بالضرورة تحقيق عوائد فورية أو هوامش ربح مرتفعة.
وفي هذا السياق، علق أنتوني ساجليمبين، كبير استراتيجيي السوق في أميربرايز: “هناك اهتمام كبير بالإنفاق الرأسمالي والتأكد من أن لديك القدرة على الحصول على التكنولوجيا اللازمة لزيادة الأرباح في مجال الذكاء الاصطناعي الجديد هذا.” وتابع: “المستثمرون، في مرحلة ما، سينظرون إلى حجم الأموال التي يتم إنفاقها ويقولون، ‘ما هو العائد على الاستثمار؟'”
وأضاف ساجليمبين أن هذا الوضع لا يعني أن فقاعة الذكاء الاصطناعي قد انفجرت، ولكنه يشير إلى أن هناك “فرصة لإعادة ضبط طفيفة في التوقعات، خاصة فيما يتعلق بالنتائج والربحية التي تأتي من هذا الكم الهائل من الأموال التي يتم ضخها في الذكاء الاصطناعي حالياً”. هذا التحول في التركيز من النمو الفائق إلى الربحية الفعلية يمثل تحدياً جديداً لشركات التكنولوجيا الكبرى.
الإغلاق الحكومي المستمر يهدد الأسهم الأمريكية
زادت حالة عدم اليقين المحيطة بالإغلاق الحكومي الأمريكي الضغط على الأسهم الأمريكية، حيث فشل مجلس الشيوخ للمرة الخامسة في تمرير مشروع قانون لتمويل الحكومة حتى 21 نوفمبر، حيث سادت الانقسامات الحزبية. ويأتي هذا الفشل وسط تجاذبات حادة بين الديمقراطيين والجمهوريين، فبينما يطالب الديمقراطيون بدمج تمديد إعفاءات الرعاية الصحية (أوباما كير) في مشروع التمويل المؤقت، يصر الرئيس دونالد ترامب على تحميلهم مسؤولية الأزمة.
كانت آمال إعادة فتح الحكومة قد تبددت بعد نفي زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر لوجود مفاوضات جارية ومثمرة، عكس ما أشار إليه الرئيس ترامب سابقاً.
تداعيات الإغلاق المتفاقمة:
- تأخير البيانات الاقتصادية: يفاقم الإغلاق مشكلة نقص المعلومات المتاحة للمستثمرين وصناع القرار، حيث يتسبب في تأخير إصدار البيانات الاقتصادية الرئيسية، مثل تقارير التوظيف والتضخم. هذا النقص في الوضوح يزيد من صعوبة تقييم الصحة العامة للاقتصاد الأمريكي وتوقع قرارات الاحتياطي الفيدرالي.
- توقف رواتب الموظفين: يواجه نحو 750 ألف موظف فيدرالي خطر عدم الحصول على رواتبهم، ومن بينهم العاملون في قطاعات حيوية مثل إدارة أمن النقل ومراقبي الحركة الجوية. والأكثر إثارة للقلق هو التأثير المحتمل على أفراد الخدمة العسكرية النشطين الذين قد لا يتلقون رواتبهم بحلول منتصف الأسبوع المقبل إذا استمر الإغلاق. هذا التوقف في الدخل يهدد بتقليص الإنفاق الاستهلاكي الضروري للنمو الاقتصادي.
- التحول نحو الملاذات الآمنة: أدى الغموض السياسي إلى دفع المستثمرين للتحوط بالانتقال إلى الأصول الآمنة، حيث سجلت العقود الآجلة للذهب ارتفاعاً تاريخياً لتتجاوز حاجز 4,000 دولار للأوقية للمرة الأولى. هذا الارتفاع يعكس مدى قلق السوق من المخاطر الاقتصادية المتزايدة الناجمة عن الشلل السياسي في واشنطن.
ويؤكد المحللون أن الضغط على الكونغرس سيزداد بشكل كبير مع تضرر الأفراد والقطاعات الحيوية، مما قد يدفع الأطراف المتنازعة نحو التوصل إلى اتفاق سريع لتجنب المزيد من الضرر الاقتصادي.
3. غموض السياسة التجارية يفاقم القلق
بالإضافة إلى العوامل الداخلية، أضافت تصريحات الرئيس ترامب الأخيرة بشأن سياسته التجارية المزيد من القلق للمستثمرين، بعد أن أشار إلى أنه سيناقش فرض رسوم جمركية على الواردات الكندية مع رئيس وزراء كندا مارك كارني. ورغم تأكيده على رغبته في أن “تحقق كندا أداءً عظيماً”، إلا أن إشارته إلى أنها “تتنافس على نفس الأعمال” مع الولايات المتحدة، يزيد من احتمالية تصعيد التوترات التجارية.
هذا الغموض حول السياسة التجارية يمثل تهديداً إضافياً للأسهم الأمريكية، خاصة بالنسبة للشركات التي تعتمد على سلاسل إمداد دولية واسعة. إن أي تصعيد في النزاعات التجارية، خاصة مع شريك تجاري رئيسي مثل كندا، يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع التكاليف وتضرر أرباح الشركات، مما يفاقم من الضغوط البيعية في السوق.
يُظهر الأداء السلبي الأخير في وول ستريت أن السوق أصبحت شديدة الحساسية إزاء المخاطر المزدوجة المتمثلة في العوائد المرتفعة المتوقعة للذكاء الاصطناعي والتي يجب إثباتها فعلياً، والاضطرابات السياسية الداخلية والخارجية التي تهدد الاستقرار الاقتصادي والنمو.
اقرأ أيضا…