أسعار الذهب تواصل تسجيل مستويات قياسية

شهدت أسعار الذهب العالمية ارتفاعاً قياسياً جديداً هذا الأسبوع، مدفوعةً بمزيج من العوامل الجيوسياسية والاقتصادية المعقدة، وفي مقدمتها تزايد حالة عدم اليقين في الأسواق وتوقعات المستثمرين بخفض وشيك لأسعار الفائدة الأمريكية. ووصل سعر الذهب الفوري إلى $3,956.02 للأوقية (الأونصة) بعد أن لامس ذروة تاريخية غير مسبوقة عند $3,977.19 في وقت سابق من الجلسة.
يُعدّ هذا الارتفاع البارز شهادة على قوة الطلب الاستثماري على المعدن الأصفر باعتباره ملاذاً آمناً في أوقات الاضطراب. فمع استقرار العقود الآجلة للذهب الأمريكي عند $3,972.20 لتسليم ديسمبر، باتت التساؤلات تدور حول ما إذا كان الذهب يتجه نحو مستوى الأربعة آلاف دولار للأوقية. ويمكن اعتبار اختراق مستوى $3,977 خطوة حاسمة نحو تجاوز حاجز الأربعة آلاف دولار، وهو مستوى نفسي مهم من شأنه أن يعزز المزيد من الزخم الصعودي في أسواق السلع.
الذهب كملاذ آمن: ضعف الثقة في الأصول التقليدية
يؤكد محللو السلع أن الطلب القوي من صناديق الاستثمار المتداولة في البورصة (ETFs) يظل عاملاً حاسماً في هذا الصعود. ويشير أوليه هانسن، رئيس استراتيجية السلع في “ساكسو بنك”، إلى أن هذا الطلب مدفوع بما يُعرف بـ “الخوف من تفويت الفرصة” (FOMO)، وتآكل الثقة في الملاذات الآمنة التقليدية الأخرى.
وتلعب عوامل إضافية دوراً داعماً، أبرزها استمرار مشتريات البنوك المركزية من الذهب، وانخفاض تكاليف التمويل، مما يجعل حيازة الذهب أكثر جاذبية. وقد ساهمت التوترات الجيوسياسية المتصاعدة والمخاطر التجارية، إلى جانب التقلبات السياسية الأخيرة في دول مثل اليابان وفرنسا، في ترسيخ الرغبة في التحوط ضد المخاطر. هذا التآكل في الثقة يمتد ليشمل تقلبات غير مسبوقة في أسواق السندات الحكومية الرئيسية والأسهم التي تُعتبر عماد الحافظة الاستثمارية. وفي ظل بيئة اقتصادية تتسم بارتفاع التضخم المستمر، يستعيد الذهب بريقه كأداة تحوط فاعلة ضد تآكل القوة الشرائية للعملات الورقية.
توقعات خفض الفائدة الأمريكية البيئة المثالية لازدهار الذهب
يجد الذهب غير المدر للعائد بيئته المثالية للازدهار في فترات انخفاض أسعار الفائدة والغموض الاقتصادي. وقد أدت التطورات الأخيرة في الاقتصاد الأمريكي، بما في ذلك حالة الإغلاق الحكومي، إلى تأجيل صدور مؤشرات اقتصادية رئيسية. وهذا الأمر يضطر المستثمرين للاعتماد على بيانات ثانوية وغير حكومية لتحديد توقيت ومدى تخفيضات أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
وتُسعّر الأسواق حالياً تخفيضاً بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع هذا الشهر، وتخفيضاً مماثلاً في اجتماع ديسمبر. إن خفض الفائدة يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة الذهب مقارنة بالأصول ذات العائد مثل السندات، مما يزيد من جاذبيته. تأثير سعر الفائدة الحقيقي: لا يكتفي الذهب بالاستفادة من خفض الفائدة الاسمي، بل يعتمد ازدهاره بشكل أساسي على انخفاض سعر الفائدة الحقيقي (سعر الفائدة مطروحاً منه التضخم المتوقع). فكلما انخفض هذا المعدل، زادت جاذبية حيازة الأصل الذي لا يدفع عائداً. التعتيم على البيانات الاقتصادية بسبب الإغلاق الحكومي زاد من ضبابية المشهد العام، مما دفع المستثمرين إلى زيادة مخصصاتهم في الذهب كإجراء وقائي ضد القرارات غير المتوقعة للفيدرالي.
النظرة المستقبلية للذهب: الأهداف السعرية الجديدة والطلب الآسيوي
منذ بداية العام، ارتفع سعر الذهب بنسبة 51%، مدعوماً بعدة ركائز:
- المشتريات الضخمة للبنوك المركزية: استمرت البنوك المركزية في تجميع الذهب، حيث أضاف البنك المركزي الصيني، على سبيل المثال، الذهب إلى احتياطياته للشهر الحادي عشر على التوالي في سبتمبر.
- تراجع قيمة الدولار: يؤدي ضعف الدولار عادةً إلى ارتفاع قيمة الذهب المقوّم به.
- زيادة الطلب من المستثمرين الأفراد: يتجه مستثمرو التجزئة للتحوط ضد التوترات الاقتصادية والجيوسياسية المتزايدة.
وفيما يتعلق بالتوقعات المستقبلية، يرى الخبراء أن مسار الارتفاع لم ينتهِ بعد. صرح مايكل لانجفورد، كبير مسؤولي الاستثمار في “سكوربيون مينيرالز”، قائلاً: “أتوقع أن يصل الذهب إلى $4,300 للأوقية خلال الأشهر الستة المقبلة، نظراً لاستمرار توقعات تراجع قيمة الدولار والبيئة الكلية والجيوسياسية الإيجابية لارتفاع أسعار الذهب”.
وفي خطوة تؤكد التوقعات الصعودية طويلة الأجل، رفعت “جولدمان ساكس” يوم الاثنين توقعاتها لسعر الذهب في ديسمبر 2026 من $4,300 إلى $4,900 للأوقية، مما يشير إلى ثقة المؤسسات الكبرى في استمرارية دور الذهب كأصل استراتيجي.
ملخص وضع المعادن الأخرى
على الرغم من تألق الذهب، شهدت المعادن الثمينة الأخرى تبايناً في الأداء. فقد انخفض سعر الفضة الفورية بنسبة 0.9% ليصل إلى $48.11 للأوقية، وتراجع البلاتين بنسبة 1% مسجلاً $1,609.04، فيما حافظ البلاديوم على استقراره عند $1,317.50. ويظل الذهب هو القائد المطلق لأسواق المعادن في ظل المناخ الاقتصادي الحالي.
اقرأ أيضا…