الأسهم الأمريكية تتألق بدعم من صفقات الاندماج والذكاء الاصطناعي

عادت الأسهم الأمريكية لتسجل مكاسب قوية يوم الاثنين، متجهة نحو إغلاقات قياسية جديدة لمؤشري S&P 500 وناسداك المركب. كان الدافع وراء هذا التفاؤل هو الإعلان عن صفقتين كبيرتين، مما عزز التكهنات بزيادة نشاط الاندماج والاستحواذ (M&A) في السوق. وعلى الرغم من استمرار إغلاق الحكومة الأمريكية، إلا أن المستثمرين اختاروا التركيز على الأرباح المتفائلة وآفاق النمو التكنولوجي المستدام.
صفقات الذكاء الاصطناعي والاندماج تقود الارتفاع
سجل مؤشر S&P 500، الذي يمثل السوق الأوسع، ارتفاعاً بنسبة 0.5%، بينما قفز مؤشر ناسداك، الثقيل بالأسهم التكنولوجية، بنسبة 0.9%. في المقابل، تراجع مؤشر داو جونز الصناعي بـ 39 نقطة (0.1%) متأثراً بانخفاض أسهم شركات مثل هوم ديبوت (Home Depot) وفيريزون (Verizon).
وكانت المحركات الرئيسية لهذا الأداء هي:
1. تأثير صفقة AMD الاستراتيجية في قطاع الرقائق
شهدت أسهم شركة AMD قفزة تزيد عن 20% بعد توصلها إلى اتفاق تاريخي مع شركة الذكاء الاصطناعي الرائدة التي يقودها سام ألتمان. يمكن أن تمنح هذه الصفقة، التي تنص على استخدام وحدات معالجة الرسوميات الخاصة بـ AMD على مدى سنوات متعددة، شركة ChatGPT حصة تبلغ 10% في صانع الرقائق. وقد وضع هذا الإعلان ضغطاً مباشراً على منافسة AMD الرئيسية في معالجات الرسوميات، شركة إنفيديا (Nvidia).
لم يكن ارتفاع سهم AMD مجرد رد فعل على صفقة مالية؛ بل يمثل تحالفاً استراتيجياً عميقاً. إن حصول شركة الذكاء الاصطناعي على حصة 10% في AMD ليس مجرد استثمار، بل هو خطوة لتأمين إمداداتها المستقبلية من رقائق الذكاء الاصطناعي بالغة الأهمية (GPUs)، وهي المكون الأساسي لتدريب النماذج الكبيرة.
وفي سوق يعاني من قيود شديدة في التوريد وتهيم عليه إنفيديا، فإن هذا الاتفاق يضمن لشركة ChatGPT شرياناً حيوياً من وحدات المعالجة القوية على مدى سنوات. هذه الخطوة تؤكد أن شركات الذكاء الاصطناعي لم تعد مجرد مستهلك للرقائق، بل أصبحت فاعلاً رئيسياً يسعى لتشكيل بنية التوريد الخاصة به، وهو ما يفسر الضغط الذي تعرضت له أسهم إنفيديا التي تواجه الآن تحدياً كبيراً لاحتمالية تنويع سلسلة إمدادات الذكاء الاصطناعي بعيداً عن هيمنتها.
2. ازدهار الاندماج في القطاع المصرفي
عززت أسهم القطاع المصرفي المعنويات بعد إعلان صفقة استحواذ، حيث ارتفعت أسهم بنك كوميريكا (Comerica) بأكثر من 10% إثر اتفاق فيفث ثيرد بانكورب (Fifth Third Bancorp) على شراء البنك الإقليمي في صفقة تبلغ قيمتها 10.9 مليار دولار بأسهم بالكامل. ومن المتوقع أن يُشكل هذا الاندماج تاسع أكبر بنك أمريكي من حيث الأصول. وقد قفز صندوق SPDR S&P Regional Banking ETF على خلفية التوقعات بأن المزيد من صفقات الاندماج في هذا القطاع قادمة.
يعكس ازدهار الاندماجات في القطاع المصرفي الإقليمي حالة من التعافي والثقة بعد الاضطرابات التي شهدها القطاع في عام 2023. تسعى البنوك الكبرى إلى الاستفادة من التقييمات الجذابة للبنوك الأصغر لتحقيق وفورات الحجم والكفاءة التشغيلية. إن قفزة صناديق الاستثمار المتداولة للبنوك الإقليمية تشير بوضوح إلى أن المستثمرين يتوقعون موجة أوسع من صفقات الاندماج، مما يزيد من متانة واستقرار النظام المالي. هذا النشاط المتزايد في صفقات الاندماج، سواء في التكنولوجيا أو البنوك، يغذي ما يُعرف في الاقتصاد بـ (Animal Spirits)، وهو مصطلح يشير إلى الثقة العفوية والحدسية التي تدفع المستثمرين نحو المخاطرة والاستثمار، وهي سمة أساسية لأي سوق صاعد.
تجاهل إغلاق الحكومة والتركيز على الأرباح وتوقعات تخفيض أسعار الفائدة
دخل إغلاق الحكومة الأمريكية أسبوعه الثاني بعد فشل المشرعين مرة أخرى في التوصل إلى اتفاق حول التمويل، مما أدى إلى تأخير إصدار بيانات اقتصادية رئيسية، بما في ذلك تقرير الوظائف لشهر سبتمبر.
إن استمرار إغلاق الحكومة وتأخير بيانات اقتصادية حيوية، مثل تقرير الوظائف لشهر سبتمبر، يخلق فراغاً في المعلومات يمكن أن يزيد من حالة عدم اليقين لدى صانعي القرار في الاحتياطي الفيدرالي والمستثمرين على حد سواء. ومع ذلك، تُظهر السوق الأمريكية مرونة لافتة، حيث يرى المستثمرون أن هذا التوقف السياسي مؤقت، بينما تبقى أساسيات الأرباح وقوة الشركات هي المحرك الأطول أمداً.
ومع ذلك، أشار روبرت إدواردز، كبير مسؤولي الاستثمار في “إدواردز لإدارة الأصول”، إلى أن السوق يتجاهل حالياً أزمة الإغلاق ويركز بشكل أكبر على التفاؤل بشأن الأرباح واحتمالية تخفيضات إضافية في أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي. يتماشى هذا المنطق مع وجهة نظر إدواردز الذي وصف أي تراجع ناتج عن الإغلاق بأنه “فرصة تسوق رئيسية للمستثمرين” (Investor Prime Day)، وهي استعارة تشجع على اتباع استراتيجية “الشراء عند الانخفاض” (Buy the Dip). هذا التفاؤل العميق، مدعوماً ببيانات الأرباح القوية المتوقعة، يفسر سبب تمسك المحللين بأهداف جريئة مثل تجاوز مؤشر S&P 500 لمستوى 7,000 نقطة بحلول نهاية العام، معتقدين أن زخم النمو الاقتصادي والتكنولوجي الحالي أقوى من المعوقات السياسية اللحظية.
أجندة الاحتياطي الفيدرالي لهذا الأسبوع تلوح في الأفق
على الرغم من تعتيم البيانات الناتج عن الإغلاق، من المقرر أن يتحدث العديد من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي هذا الأسبوع، بما في ذلك محافظ البنك ستيفن ميران يوم الأربعاء ورئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول يوم الخميس. يترقب المستثمرون هذه التصريحات ببالغ الأهمية للبحث عن أي إشارات واضحة حول التوجه النقدي المستقبلي للبنك المركزي، خاصة فيما يتعلق بمسار التضخم وتأثيره على التوقعات بشأن تخفيض سعر الفائدة الفيدرالي، مما يوفر للمستثمرين فرصة للحصول على إشارات حول التوجه النقدي المستقبلي.
يأتي هذا الأداء القوي في الأسهم الأمريكية بعد رابع ارتفاع أسبوعي لمؤشري S&P 500 وناسداك في خمسة أسابيع، حيث ارتفعا بنسبة 1.1% و 1.3% على التوالي، بينما سجل الداو ارتفاعه الثالث في أربعة أسابيع بنسبة 1.1%.
اقرأ أيضا….