أخبار الأسواقاخبار اقتصاديةأخبار الدولار الأمريكي

بيانات البطالة الأمريكية ترتفع وسط إغلاق الحكومة الفيدرالية

تُعد بيانات البطالة الأمريكية، وتحديداً طلبات إعانة البطالة الأسبوعية، بمثابة نبض حيوي لصحة أكبر اقتصاد في العالم. وعندما تشير هذه البيانات إلى أي تحول، ولو كان هامشياً، فإن الأسواق وصناع القرار في الاحتياطي الفيدرالي يراقبون عن كثب. لقد كشفت الأرقام الأخيرة التي وفرتها “هافر أناليتكس” (Haver Analytics) عن ارتفاع طفيف ومُقلق في عدد الأمريكيين المتقدمين بطلبات جديدة للحصول على إعانات البطالة خلال الأسبوع الأخير من شهر سبتمبر.

هذا الارتفاع المعتدل، على الرغم من أنه لا يزال يُصنَّف ضمن المستويات التاريخية المنخفضة، يسلط الضوء على حالة “الركود الخفي” أو “الشلل” الذي يضرب سوق العمل، حيث تتردد الشركات في تسريح العمالة على نطاق واسع، ولكنها في الوقت ذاته تُحجم عن التوظيف. ويأتي هذا التطور في لحظة حرجة تتشابك فيها العوامل الاقتصادية مع الأزمات السياسية، لاسيما في ظل تداعيات إغلاق الحكومة على دقة وتوقيت المعلومات الاقتصادية الحيوية.

ارتفاع متواضع لكنه تحذيري في مطالبات البطالة

وفقاً لتقديرات “هافر أناليتكس”، التي اضطلعت بدورها في سد الفجوة المعلوماتية الناجمة عن تعليق البيانات الرسمية، ارتفع عدد الطلبات الأولية للحصول على إعانات البطالة الحكومية في الأسبوع المنتهي في 27 سبتمبر إلى 224,269 طلباً، مقارنة بـ 218,589 طلباً في الأسبوع السابق.

قد يبدو هذا الفارق (حوالي 5,680 طلباً) ضئيلاً، لكنه يأتي ليؤكد نمطاً مستمراً من التباطؤ. إن الأهمية التحليلية لهذه الأرقام تكمن في أنها، على الرغم من انخفاضها مقارنة بأوقات الأزمات، تظهر أن وتيرة تسريح العمالة لم تتوقف تماماً، بل إنها تتصاعد ببطء في بعض القطاعات الحساسة، مما يزيد الضغط على الأسر الأمريكية في مواجهة التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة.

مؤشر البطالة المستمرة دليل على تباطؤ التوظيف

للحصول على صورة أكثر اكتمالاً لحالة سوق العمل، ينبغي النظر إلى أعداد الأشخاص الذين يستمرون في تلقي الإعانات بعد الأسبوع الأول، وهو ما يُعرف بـ “مطالبات البطالة المستمرة”. يُعتبر هذا المؤشر دليلاً غير مباشر على مدى بطء أو سرعة الشركات في إعادة توظيف العمال المسرحين.

وفي هذا السياق، ارتفع عدد الأشخاص الذين تلقوا الإعانات للأسبوع المنتهي في 20 سبتمبر إلى 1.921 مليون شخص، صعوداً من 1.916 مليون في الأسبوع الذي سبقه. هذا الارتفاع المستمر في المطالبات المستمرة يمثل إشارة قوية إلى أن الأفراد الذين فقدوا وظائفهم يواجهون الآن فترات أطول للبحث عن عمل جديد. ومع تباطؤ التوظيف، تزداد احتمالية أن يتحول هؤلاء الأفراد إلى صفوف البطالة طويلة الأجل، وهي ظاهرة اقتصادية أكثر خطورة على الإنتاجية والرفاه الاقتصادي.

شلل سوق العمل وتأثير العوامل الهيكلية

يُجمع الاقتصاديون على أن سوق العمل الأمريكي يمر بحالة من الشلل، حيث تتسم الفترة الحالية بعدم وجود تسريحات جماعية كبيرة (مما يحافظ على معدل بطالة منخفض نسبياً)، لكن في المقابل هناك مقاومة واضحة من الشركات لزيادة التوظيف.

وقد أشارت البيانات الرسمية الصادرة الأسبوع الماضي إلى وجود 0.98 وظيفة شاغرة مقابل كل شخص عاطل عن العمل في شهر أغسطس، وهو تراجع طفيف عن نسبة 1.0 في يوليو. ورغم أن النسبة لا تزال قريبة من التوازن، إلا أن اتجاهها الهبوطي يؤكد تراجع الطلب على العمالة.

ويُرجع الاقتصاديون هذا الشلل إلى مجموعة من السياسات والعوامل الهيكلية المعقدة، كان أبرزها السياسات التجارية وسياسات الهجرة، بالإضافة إلى التغلغل المتزايد للذكاء الاصطناعي (AI). هذه العوامل تضافرت معاً لتؤدي إلى:

  1. انخفاض الطلب الإجمالي: مما يقلل من حافز الشركات على التوسع والتوظيف.
  2. تآكل عروض العمل: بسبب قيود الهجرة التي تحد من وصول العمالة الماهرة وغير الماهرة.
  3. إحلال التكنولوجيا: حيث تبدأ الشركات في استخدام الأتمتة والذكاء الاصطناعي بدلاً من العمالة البشرية في وظائف معينة.

التعطيل الحكومي وخطر التأخير في اتخاذ القرار

لا يمكن فصل تحليل بيانات البطالة الأمريكية الأخيرة عن سياق إغلاق الحكومة الفيدرالية المستمر. هذا الإغلاق، الذي نتج عن خلاف حول التمويل، أدى إلى تعليق جمع ونشر البيانات الاقتصادية الرسمية الأكثر أهمية، وعلى رأسها التقرير الشهري للتوظيف لشهر سبتمبر (الذي كان يُنتظر بشدة).

إن تأخير إصدار هذا التقرير يُشكل تحدياً كبيراً وخطراً على عملية اتخاذ القرار الاقتصادي في البلاد. بالنسبة لمسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، تُعد هذه البيانات أمراً بالغ الأهمية لتحديد المسار المستقبلي لسياستهم النقدية، سواء فيما يتعلق برفع أو تثبيت أسعار الفائدة. وبدون هذه المعلومات الموثوقة وفي الوقت المناسب، يضطر “الفيدرالي” للاعتماد على تقديرات بديلة أو بيانات متأخرة، مما يزيد من احتمالية اتخاذ قرارات أقل دقة.

كما أن الشركات والأسر تعتمد على هذه التقارير لتخطيط استثماراتها ونفقاتها المستقبلية، لذا فإن غيابها يولد حالة من عدم اليقين في المشهد الاقتصادي .

التوقعات المستقبلية لسوق العمل

تُشير بيانات البطالة الأمريكية التي قدمتها “هافر أناليتكس” إلى أن سوق العمل يقف حالياً عند مفترق طرق حرج. فمن ناحية، لم يحدث انهيار واسع النطاق في التوظيف؛ ومن ناحية أخرى، فإن مؤشرات التباطؤ والشلل أصبحت أكثر وضوحاً مع ارتفاع مطالبات البطالة المستمرة وانخفاض عدد الوظائف الشاغرة نسبةً إلى الباحثين عن عمل.

إن استمرار هذا التباطؤ، وخاصة في ظل العوامل الهيكلية التي يطرحها الاقتصاديون، قد يُشير إلى أن التحديات التي يواجهها سوق العمل ليست مجرد دورية (تتعلق بأسعار الفائدة)، بل قد تكون هيكلية (تتعلق بالتكنولوجيا والسياسات). ولن تتضح الصورة بالكامل إلا بعد رفع التعليق وعودة البيانات الرسمية، خاصة تقرير التوظيف، الذي سيُحدد ما إذا كان الارتفاع الطفيف في مطالبات البطالة مجرد هزة عابرة أم بداية اتجاه صعودي أوسع.

يبقى المستثمرون والخبراء في حالة ترقب، آملين أن تنتهي أزمة إغلاق الحكومة قريباً لتعود عجلة البيانات الرسمية للدوران، وتُضيء الطريق أمام صُناع السياسات لتوجيه دفة الاقتصاد نحو الاستقرار والنمو المستدام.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى