أخبار الأسواقأخبار النفطسلع

أسعار النفط تقفز إثر قرار “أوبك+” المتواضع وزيادة الإنتاج الأقل من التوقعات

شهدت أسعار النفط ارتفاعا حادا بأكثر من 1% يوم الاثنين، وذلك كرد فعل فوري ومفاجئ في الأسواق العالمية على إعلان تحالف “أوبك+” عن خطة زيادة متواضعة للغاية في الإنتاج لشهر نوفمبر. هذه الزيادة، التي جاءت أقل بكثير مما كان متوقعاً في بورصات السلع، نجحت في تهدئة بعض المخاوف الفورية بشأن تدفقات الإمدادات الجديدة. ومع ذلك، من المرجح أن تظل أسعار النفط تحت ضغط مستقبلي، حيث من المتوقع أن تحد التوقعات المتشائمة للطلب العالمي من سقف المكاسب على المدى القريب، مما يضع السوق في حالة من التوازن الهش والمشوب بالحذر.

ارتفاع مدفوع بـ “المفاجأة المتواضعة” لـ “أوبك+”

صعدت العقود الآجلة لخام برنت بقيمة 89 سنتاً، أو ما يعادل 1.4%، لتلامس مستوى 65.42 دولاراً للبرميل، فيما سجل سعر خام غرب تكساس (WTI) ارتفاعاً مماثلاً بنسبة 1.4% ليبلغ 61.72 دولاراً. ويُعزى هذا الارتفاع بشكل مباشر إلى طبيعة القرار الصادر عن منظمة الدول المصدرة للنفط وحلفائها (أوبك+) يوم الأحد.

أعلنت المجموعة عن رفع الإنتاج بمقدار 137,000 برميل يومياً فقط اعتباراً من نوفمبر، وهو ما يطابق تماماً رقم الزيادة التي أقرتها في أكتوبر. هذه الخطوة التكتيكية أتت خلافاً لتوقعات سابقة في السوق، حيث كانت هناك مؤشرات على انتظار زيادة أكبر، وهو ما أشار إليه يانيف شاه، المحلل لدى “ريستاد”، موضحاً أن “السوق كانت تتوقع زيادة أكبر إلى حد ما كما ظهر في هيكل التسعير الأسبوع الماضي”.

هذا التواضع في حجم الزيادة يسلط الضوء على المعضلة الداخلية التي تواجه “أوبك+”. فبينما كانت مصادر تشير إلى أن روسيا تدعم الزيادة الصغيرة لتجنب ضغط الأسعار نحو الهبوط، كانت المملكة العربية السعودية تفضل زيادة الإنتاج بمعدلات أعلى (ربما ثلاثة أو أربعة أضعاف) لاستعادة الحصة السوقية بسرعة.

ولذلك، فإن التسوية التي نتجت عنها الزيادة البالغة 137 ألف برميل يومياً تعكس جهداً للموازنة بين رغبة المنتجين في تحقيق إيرادات أكبر ورغبتهم في الحفاظ على استقرار السوق مقابل المعروض الوفير. ومع ذلك، يشير المحللون إلى أن هذه الكمية الإضافية، وإن كانت بسيطة، تضخ المزيد من النفط في معادلة المعروض الذي يُتوقع أن يكون فائصاً بالفعل للربع الرابع من عام 2025 وما يليه، مما يؤكد على أن قرار المجموعة هو محاولة للحفاظ على السعر الحالي بدلاً من التحرك لتحقيق نمو كبير.

عوامل تكبح جماح مكاسب أسعار النفط وتزيد الضغط على المعروض

في حين يوفر قرار “أوبك+” دعماً وقتياً لسوق أسعار النفط، تتفاقم المخاوف المتعلقة بتخمة المعروض وضعف الطلب، مما يفرض سقفاً على مسار الصعود ويجعل الارتفاع هشاً. وتتعدد العوامل التي تضغط على الأسعار حالياً من خارج دائرة تحالف “أوبك+”:

1. تصاعد مصادر الإمداد البديلة غير المُنظمة

تأتي هذه الزيادة المتواضعة في الإنتاج بالتزامن مع عدة تطورات لا تخضع لسيطرة تحالف “أوبك+” في جانب العرض العالمي، مما يخفف من فعالية قيود الإنتاج الخاصة بالتحالف. وأبرز هذه التطورات تشمل:

  • ارتفاع صادرات فنزويلا: يشير هذا الارتفاع إلى تزايد مرونة السوق وتأثير تخفيف بعض العقوبات الأمريكية أو الاتفاقيات الدبلوماسية غير الرسمية، مما يضيف براميل نفط خام جديدة إلى السوق كانت محظورة في السابق.
  • استئناف تدفقات النفط الكردي عبر تركيا: يُعد هذا الاستئناف حاسماً لضخ كميات كبيرة من النفط الإقليمي المتوقف إلى الأسواق العالمية، وهو ما يمثل تحدياً إضافياً لجهود إدارة المعروض.
  • تراكم البراميل غير المباعة في الشرق الأوسط: يشير وجود كميات كبيرة من براميل الشرق الأوسط غير المباعة لتحميل نوفمبر، بحسب تاماس فارجا من PVM Oil Associates، إلى ضعف الطلب من المشترين الرئيسيين في آسيا، وهو ما ينذر بتكوين فائض في المخزونات العائمة.

2. ضعف أساسيات الطلب وتأثير المخزونات الأمريكية

تعتبر توقعات ضعف أساسيات الطلب في الربع الرابع عاملاً حاسماً آخر يحد من الاتجاه الصعودي للسوق. وقد أكدت بيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) هذا التوجه الأسبوع الماضي، حيث أعلنت أن مخزونات الخام والبنزين والمشتقات النفطية في الولايات المتحدة ارتفعت بأكثر من المتوقع في الأسبوع المنتهي في 26 سبتمبر.

هذه الزيادة في المخزونات الأمريكية، وخاصة المنتجات المكررة، لا تشير فقط إلى ضعف الطلب الاستهلاكي المحلي، بل تُعد مؤشراً مقلقاً على تباطؤ النشاط الصناعي العام. تراجع نشاط التكرير يدل على أن المصافي لا ترى طلباً كافياً على المدى القريب لتبرير العمل بكامل طاقتها. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يساهم موسم صيانة المصافي الذي سيبدأ قريباً في الشرق الأوسط في كبح جماح أسعار النفط، حيث تقلل المصافي من احتياجاتها من الخام وتتجه نحو تخزين الكميات المتاحة.

3. استقرار أسعار التصدير والموقف الهندي تجاه الإمدادات الروسية

في خطوة ذات دلالة تعكس قراءة السوق الآسيوي، أبقت المملكة العربية السعودية على سعر البيع الرسمي لخامها العربي الخفيف الذي تبيعه لآسيا دون تغيير. ويأتي هذا القرار ليؤكد المخاوف البنيوية بشأن الطلب الآسيوي، خاصة وأن المصافي في المنطقة كانت قد خفضت توقعاتها لزيادة طفيفة في الأسعار نتيجة تزايد المخاوف من ارتفاع إمدادات الخام في الشرق الأوسط.

علاوة على ذلك، وعلى الرغم من الضغوط الأمريكية، أكد مسؤول حكومي هندي أن الإمدادات الكافية من النفط الروسي متوفرة للمصافي الهندية. وقد ساعدت الهجمات على منشآت الطاقة الروسية في زيادة توافر النفط، مما يضمن تدفقاً مستمراً للإمدادات الروسية بسعر تنافسي، الأمر الذي يدعم السوق النفطية الهندية ويقلل من اعتمادها على خام الشرق الأوسط، وبالتالي يحد من قدرة المنتجين الإقليميين على رفع أسعار النفط.

التوقعات المستقبلية لأسعار النفط

يتضح أن أسعار النفط تقف عند مفترق طرق معقد. الارتفاع الحالي هو رد فعل تكتيكي ومؤقت من “أوبك+” لإدارة التوقعات والحفاظ على قاعدة سعرية، وليس مؤشراً على تحسن جوهري ومستدام في أساسيات السوق. الارتفاع يحمل في طياته بذور التراجع بسبب عوامل العرض المتزايدة خارج إطار المجموعة، وضعف الطلب المرتبط بتباطؤ الاقتصاد العالمي.

في المدى الأقرب، ستبقى الأسواق عرضة لتأثير موسم صيانة المصافي وتراكم المخزونات العالمية. أما في المدى الأطول، يرى كريس بوشامب، كبير محللي السوق في مجموعة IG، أن استمرار صعود أسعار النفط يتوقف بشكل كبير على قدرة الاقتصاد الأمريكي، كمحرك رئيسي للطلب العالمي، على استعادة تسارعه خلال الفترة المتبقية من عام 2025 وحتى 2026. هذا التعافي الاقتصادي سيساعد بشكل كبير في امتصاص الفائض المتوقع وتوفير قاعدة دعم أكثر صلابة للأسعار في المستقبل.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى