أسعار الذهب تسجل مستوى تاريخيا عند 3900 دولار للأوقية

شهدت أسعار الذهب في تعاملات الإثنين ارتفاعا تاريخيا غير مسبوق، متجاوزة لأول مرة حاجز الـ 3,900 دولار للأوقية، في دلالة واضحة على تصاعد حالة عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي عالميا. وقد لامس سعر الذهب الفوري مستوى 3,925.91 دولار للأوقية، بعد أن سجل في وقت سابق من الجلسة سعرا قياسيا بلغ 3,944.63 دولار. وارتفعت العقود الآجلة للذهب تسليم ديسمبر بنسبة 1.1% إلى 3,951.60 دولار.
هذا الصعود الدراماتيكي لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج تضافر ثلاثة عوامل رئيسية: زيادة الطلب على الذهب كملاذ آمن في ظل تقلبات العملات، حالة عدم اليقين المستمرة في المشهد السياسي والاقتصادي الأمريكي، والتوقعات المتزايدة بخفض عنيف لأسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي. إن فهم هذه العوامل هو المفتاح لتوقع المسار المستقبلي لأسعار الذهب.
عوامل تقود صعود أسعار الذهب
تُعد حالة عدم اليقين محركا تقليديا لأسعار الذهب، وقد وفرت الأحداث الأخيرة على الساحة العالمية والأمريكية الزخم اللازم لهذا الارتفاع.
ضعف الين الياباني: تحول في الملاذ الآمن
شهد الين الياباني تراجعاً حاداً هو الأكبر له في خمسة أشهر مقابل الدولار الأمريكي، وذلك في أعقاب انتخاب “سانا تاكايتشي” لقيادة الحزب الليبرالي الديمقراطي الحاكم في اليابان، ما يفتح لها الباب لتولي منصب رئيس الوزراء. هذا الضعف المفاجئ في العملة التي تعتبر تقليديا ملاذا آمنا دفع المستثمرين إلى تحويل سيولتهم نحو بديل أكثر استقرارا.
ويوضح تيم ووترر، كبير محللي السوق في KCM Trade، أن “ضعف الين الذي أعقب انتخابات الحزب الليبرالي الديمقراطي الياباني ترك المستثمرين أمام أصل واحد أقل للجوء إليه كملاذ آمن، واستغل الذهب هذه الفرصة ليحقق المكاسب.”
شبح إغلاق الحكومة الأمريكية
في الوقت ذاته، لا تزال الغيوم الداكنة لإغلاق الحكومة الأمريكية تسيطر على المشهد. التهديد بتسريح جماعي لموظفي الحكومة الفيدرالية إذا ما وصل الرئيس دونالد ترامب والديمقراطيون في الكونجرس إلى طريق مسدود في المفاوضات، يلقي بظلال من الشك على أداء الاقتصاد الأمريكي وإمكانية تأثر إجمالي الناتج المحلي (GDP).
في ظل هذه الظروف غير المؤكدة، يرى ووترر أن الذهب يبقى هو الخيار الأول للمستثمرين، خاصة مع التوقعات بخفض الفيدرالي لمعدلات الفائدة.
دور الاحتياطي الفيدرالي في مستقبل أسعار الذهب
العامل الأكثر قوة الذي يدعم المسار التصاعدي لأسعار الذهب هو التحول الجذري في السياسة النقدية الأمريكية. يزدهر الذهب، وهو أصل لا يدر عائداً، في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة والضبابية الاقتصادية. عندما تنخفض الفائدة، يقل جاذبية الاحتفاظ بالدولار أو السندات، مما يدفع رؤوس الأموال إلى الذهب.
وكان محافظ الاحتياطي الفيدرالي، ستيفن ميران، قد ضغط الجمعة من أجل مسار خفض قوي وعدواني للفائدة، مستشهداً بتأثير السياسات الاقتصادية لإدارة ترامب.
توقعات خفض الفائدة
عزز هذا الضغط التوقعات بأن الفيدرالي سيستمر في خفض أسعار الفائدة. وتشير أداة FedWatch الخاصة ببورصة شيكاجو التجارية (CME) إلى أن المستثمرين يسعرون حالياً خفضين إضافيين بمقدار 25 نقطة أساس في كل من أكتوبر وديسمبر، باحتمالات تبلغ 95% و 83% على التوالي. هذا اليقين شبه التام بتحول دورة التيسير النقدي هو بمثابة وقود للمعدن الأصفر.
رحلة الذهب الطويلة: 49% ارتفاعاً في عام
هذا الارتفاع التاريخي ليس طفرة عابرة، بل هو استمرار لاتجاه صعودي قوي بدأ منذ فترة. ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 49% حتى الآن هذا العام، بعد أن سجلت ارتفاعاً بنسبة 27% في العام الماضي 2024. هذه المكاسب القياسية مدعومة بعدة عوامل هيكلية طويلة الأجل:
- الشراء القوي للبنوك المركزية: تواصل البنوك المركزية العالمية تجميع احتياطياتها من الذهب كجزء من تنويع أصولها وتقليل الاعتماد على الدولار.
- صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs): زيادة الطلب على الصناديق المدعومة بالذهب من قبل المستثمرين المؤسسيين.
- ضعف الدولار الأمريكي: غالباً ما تكون هناك علاقة عكسية بين قوة الدولار وأسعار الذهب.
- التوترات الجيوسياسية والتجارية: يظل الذهب بمثابة أداة تحوط أساسية ضد المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية المتصاعدة.
هل تستمر أسعار الذهب في الصعود
بعد أن كسر الذهب مستوى 3,000 دولار للأوقية في مارس، ثم مستوى 3,700 دولار في منتصف سبتمبر، يبدو أن الأسواق تتبنى توجهاً صعودياً قوياً. تجمع بيئة السوق الحالية بين أفضل الظروف لـ أسعار الذهب: مخاوف سياسية واقتصادية تدفع بالطلب على الملاذ الآمن، وتوقعات بـ خفض أسعار الفائدة الفيدرالية التي تقلل من تكلفة الفرصة البديلة للاحتفاظ بالذهب.
في غضون ذلك، استفادت المعادن الثمينة الأخرى من نفس العوامل الدافعة. ارتفع سعر الفضة الفورية بنسبة 1% ليصل إلى 48.46 دولاراً للأوقية، وصعد البلاتين بنسبة 0.2% إلى 1,608.65 دولاراً، فيما سجل البلاديوم ارتفاعاً بنسبة 0.3% ليبلغ 1,264.43 دولاراً. هذا الأداء الجماعي يؤكد أن المزاج العام للمستثمرين يتجه نحو الأصول الصلبة وغير الخاضعة لسلطة أي حكومة أو بنك مركزي.
اقرأ أيضا…