تباين أسعار الذهب اليوم وسط ترقب الاضطرابات السياسية في الولايات المتحدة

شهدت أسعار الذهب العالمية ثباتاً قوياً قرب أعلى مستوياتها التاريخية هذا الأسبوع، مدفوعة بمزيج معقد من التوقعات الاقتصادية والاضطرابات السياسية غير المسبوقة في الولايات المتحدة، حيث سجل سعر الذهب الفوري 3,865.73 دولار للأوقية، في تراجع طفيف عن ذروته القياسية المسجلة مؤخراً عند 3,895.09 دولار.
ويُعد هذا الارتفاع مؤشراً قوياً وواضحاً على تصاعد الطلب العالمي على المعدن الأصفر بوصفه “الملاذ الآمن” التقليدي الذي يحافظ على القوة الشرائية في أوقات التوتر. فما هي الأسباب الرئيسية وراء هذا الزخم الذي دفع الذهب إلى مستويات قياسية، وماذا يعني ذلك للمدخرين والمهتمين بحركة السوق في الفترة المقبلة؟
محركات صعود الذهب: رهانات الفائدة، وضعف الدولار
الدافع الأبرز وراء الزيادة القياسية في أسعار الذهب حالياً هو التحول في السياسة النقدية الأمريكية، متمثلاً في التوقعات المُتزايدة بخفض أسعار الفائدة الأمريكية قريباً. هذا العامل له تأثير مضاعف على جاذبية الذهب:
- تضاؤل تكلفة الفرصة البديلة: في بيئة أسعار الفائدة المرتفعة، تزداد جاذبية السندات الحكومية وحسابات التوفير التي تدر عائداً مرتفعاً، مما يزيد من “تكلفة الفرصة البديلة” لحيازة الذهب (الذي لا يدر عائداً). لكن عندما تتجه أسعار الفائدة نحو الانخفاض، تنخفض العوائد على الأصول المنافسة، ما يجعل الذهب أكثر جاذبية تلقائياً.
- توقعات الفيدرالي وضعف الدولار: يُسعّر المتداولون حالياً احتمالاً شبه مؤكد لخفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس هذا الشهر، وفقاً لأدوات مراقبة الفيدرالي (CME FedWatch). هذا التوجه يُضعف قيمة الدولار الأمريكي (مؤشر الدولار ينزلق إلى أدنى مستوياته في أسبوع)، مما يجعل الذهب المُسعّر بالدولار أرخص ثمناً لحاملي العملات الأخرى، وبالتالي يحفز الطلب العالمي عليه.
- البيانات الاقتصادية كمحفز للتحرك: أظهرت البيانات الأخيرة تراجعاً في وظائف القطاع الخاص الأمريكي (32,000 وظيفة في سبتمبر بعد تراجع أغسطس)، مما يعزز فكرة تباطؤ الاقتصاد وحاجة البنك المركزي للتدخل عبر خفض الفائدة لتحفيز النمو. هذه المؤشرات الاقتصادية السلبية تجذب المستثمرين نحو الأمان الذي يوفره الذهب كوسيلة للتحوط ضد أي انكماش محتمل.
دور حالة عدم اليقين السياسي في دعم أسعار الذهب
إلى جانب العوامل النقدية، تلعب حالة عدم اليقين السياسي في واشنطن دوراً كبيراً في تعزيز مكانة الذهب كمخزن للقيمة وإضافة ما يسمى بـ “علاوة المخاطرة” إلى سعره. إن إغلاق الحكومة الأمريكية الجزئي، الذي وضع الآلاف من الوظائف الفيدرالية في خطر، يخلق نوعاً من الفراغ المعلوماتي والتوتر في الأسواق.
- تأخير المؤشرات الحيوية: قد يؤدي الإغلاق إلى تأخير إصدار المؤشرات الاقتصادية الرئيسية، وعلى رأسها تقرير الوظائف غير الزراعية (NFP) المقرر صدوره هذا الأسبوع. هذا التأخير يزيد من حيرة المستثمرين ويجعلهم يفضلون التمسك بالأصول الأكثر أماناً حتى عودة الوضوح الاقتصادي.
- بيئة مثالية للملاذ الآمن: إن البيئة التي تتسم بالضبابية السياسية والاقتصادية هي بيئة مثالية لازدهار الذهب. ففي أوقات القلق، يهرع المستثمرون لحماية رؤوس أموالهم عبر تحويلها إلى أصول مستقرة تاريخياً مثل الذهب، مما يرفع سعره نتيجة لتزايد الطلب.
نظرة الخبراء وتوقعات الأسعار على المدى المتوسط
لا يقتصر الدعم على الظروف السوقية فقط، بل يمتد إلى ثقة المؤسسات المالية الكبرى. يرى الخبراء أن هذا الارتفاع قد يستمر، حيث أكد بنك جولدمان ساكس (Goldman Sachs) أن الذهب يظل “التوصية الأقوى” لديه في فئة السلع.
- توقعات غولدمان ساكس المعززة: أشار البنك في مذكرته إلى أن المخاطر الصعودية على توقعات أسعار الذهب قد اشتدت، مشيراً إلى عوامل مثل مراكز المضاربة الكبيرة والمفاجأة في زيادة حيازات الصناديق المتداولة الغربية. ونتيجة لذلك، يرفع البنك توقعاته لسعر الذهب إلى 4000 دولار للأوقية بحلول منتصف عام 2026، وإلى 4300 دولار للأوقية بحلول ديسمبر 2026، مما يعكس ثقة المؤسسة في المسار الصاعد للمعدن.
- الطلب المؤسسي وشهادة الثقة: ارتفعت حيازات أكبر صندوق متداول مدعوم بالذهب في العالم (SPDR Gold Trust) إلى 1,018.89 طناً مترياً، وهي أعلى مستوياتها منذ يوليو 2022. هذا الارتفاع المؤسسي مهم لأنه يدل على أن الاستثمار في الذهب ليس مجرد مضاربة قصيرة الأجل، بل هو التزام طويل الأجل من قبل كبار المستثمرين الذين يرون فيه ضرورة تحوطية.
خلاصة للمدخرين والمهتمين بالاستثمار
بالنسبة للجمهور العام المهتم بالادخار، فإن استمرار ارتفاع أسعار الذهب يشير إلى استمرار هيمنة عاملين رئيسيين على الأسواق العالمية: ضعف العملات الرئيسية في ظل خفض متوقع للفائدة، والتوترات الجيوسياسية/السياسية التي تخلق بيئة من عدم اليقين. الذهب يثبت جدارته كأداة تحوط ضد التضخم وتقلبات السوق. ينصح الخبراء بمواصلة مراقبة إشارات البنك الاحتياطي الفيدرالي وأخبار الإغلاق الحكومي الأمريكي وتأثيرها على البيانات الاقتصادية، فهما المفتاحان الرئيسيان لتحديد مسار الذهب القريب. إن الاستثمار في الذهب، خاصة عند المستويات القياسية، يتطلب تقييماً دقيقاً للمخاطر وتوزيعاً متوازناً للأصول.
اقرأ أيضا…