الدولار الأمريكي تحت ضغط قلق المستثمرين من شبح إغلاق الحكومة

يواجه الدولار الأمريكي ضغوطاً متزايدة مع اقتراب الموعد النهائي لحل أزمة تمويل الحكومة الفيدرالية، وهو ما يُنذر بشبح “الإغلاق الحكومي” الذي قد يعطل إصدار التقارير الاقتصادية الحيوية، وأبرزها تقرير الوظائف الشهري. ويراقب المستثمرون بقلق بالغ هذا التطور، الذي يُتوقع أن يولد حالة من التقلب الإضافي في الأسواق العالمية. ويمثل هذا المأزق السياسي، الناجم عن الخلافات الحزبية بين الجمهوريين والديمقراطيين حول مستويات الإنفاق، اختباراً حقيقياً لمرونة الاقتصاد الأمريكي وثقة المستثمرين به.
ومن المقرر أن ينتهي تمويل الحكومة الأمريكية منتصف ليل الثلاثاء (04:00 بتوقيت غرينتش) ما لم يتفق الجمهوريون والديمقراطيون على صفقة إنفاق مؤقتة في اللحظة الأخيرة. وقد أدت حالة الجمود السياسي هذه إلى تآكل ثقة المتداولين في العملة الأمريكية، مما دفع مؤشر الدولار إلى الانخفاض بنسبة 0.1% ليسجل 97.82 نقطة بعد أن فقد نحو 10% من قيمته هذا العام. وتُظهر السوابق التاريخية أن فترات الإغلاق الحكومي غالباً ما تترافق مع ميل الدولار الأمريكي نحو الضعف مع عزوف رؤوس الأموال عن المخاطر المرتبطة بالقيادة الأمريكية.
تأثير إغلاق الحكومة على البيانات الاقتصادية والاحتياطي الفيدرالي
يكمن القلق الأكبر للسوق في أن يؤدي الإغلاق إلى توقف إصدار البيانات الاقتصادية من قِبل وزارتي العمل والتجارة، بما في ذلك بيانات التوظيف لشهر سبتمبر المرتقبة يوم الجمعة. هذا التقرير بالغ الأهمية لصناع القرار في مجلس الاحتياطي الفيدرالي (Fed).
وفي هذا الصدد، أشار جوشوا ماهوني، كبير محللي السوق في “سكوب ماركتس”، إلى أن “هذا يعني أن الأسواق ستتداول على المدى القريب دون أحد أهم مؤشرات الصحة الاقتصادية الأمريكية”. ويُعد هذا الفراغ المعلوماتي خطيراً بشكل خاص، حيث يعتمد البنك المركزي على بيانات التوظيف (NFP) لتحديد مدى قرب الاقتصاد من تحقيق ولايته المزدوجة المتمثلة في الحد الأقصى للتوظيف واستقرار الأسعار.
يُعد تقرير جداول الرواتب غير الزراعية (NFP) أساسياً في تحديد مسار الفائدة. ومن شأن تأجيل هذا التقرير أن يترك البنك المركزي “يتخذ القرارات وهو يحلق أعمى” بشأن حالة سوق العمل، مما يزيد من حالة عدم اليقين بين المستثمرين وقد يترجم إلى مزيد من تذبذب الدولار الأمريكي. حالياً، تسعر الأسواق احتمالاً قوياً لخفض واحد على الأقل لسعر الفائدة الأمريكية هذا العام، على الأرجح في أكتوبر، مع توقعات بحدوث خفض ثانٍ قبل نهاية العام. كما أن البيانات الأخرى المقرر صدورها، مثل تقرير الوظائف الشاغرة (JOLTS) المقرر إصداره لاحقاً يوم الثلاثاء، والذي يُتوقع أن يُظهر 7.185 مليون وظيفة شاغرة، ستتأثر هي الأخرى، مما يزيد من صعوبة تقييم الضغوط التضخمية في سوق العمل.
الين الياباني يتألق وصفقة بيع الدولار تستعيد بريقها
في ظل حالة عدم اليقين السياسي في واشنطن، يواجه الدولار الأمريكي ضغطاً متزايداً. وقد استغل الين الياباني (JPY) هذا الضعف، ليرتفع مقابل العملة الأمريكية بنسبة 0.4% لتتداول عند 148.02 ين للدولار. ويعود الفضل في هذا التعافي جزئياً إلى محضر اجتماع بنك اليابان لشهر سبتمبر، الذي أظهر أن البنك ناقش إمكانية رفع سعر الفائدة في المدى القريب، حيث تسعر الأسواق حالياً احتمالاً بنسبة 60% لرفع الفائدة في ديسمبر. ويعد الين تقليدياً ملاذاً آمناً يلجأ إليه المستثمرون في أوقات الاضطرابات الجيوسياسية أو السياسية الأمريكية.
ويرى خبراء استراتيجيون في بنك ING أن بيع الدولار مقابل الين قد يكون التداول المفضل إذا ما تحقق إغلاق الحكومة الأمريكية. ويوضح فرانشيسكو بيسول، الخبير الاستراتيجي في ING: “قد يظل تداول انخفاض الدولار مقابل الين هو الصفقة المفضلة أثناء الإغلاق”. ويشير بيسول إلى أن هذا الزوج من العملات كان قد انخفض بنسبة 1.5% خلال إغلاق 2018-2019، وهو ما يفسر سبب تداول الزوج حالياً أعلى بنسبة 1% من قيمته العادلة قصيرة الأجل وفقاً لنموذجهم. وتتعزز صفقة البيع هذه بوجود تباين واضح في السياسات النقدية المتوقعة، حيث يتجه الاحتياطي الفيدرالي نحو التيسير، بينما يناقش بنك اليابان بجدية إنهاء سياسته السلبية، مما يدعم الين على المدى الطويل.
أداء العملات الأخرى: ثبات أسترالي وتجاهل بريطاني
على صعيد العملات الأخرى، كان الدولار الأسترالي (AUD) هو الأفضل أداءً بين العملات الرئيسية، مرتفعاً بنسبة 0.5% عند 0.6608 دولار أمريكي. وجاء هذا الارتفاع بعد أن أبقى بنك الاحتياطي الأسترالي (RBA) أسعار الفائدة ثابتة كما كان متوقعاً، مع إبداء ملاحظة حذرة بشأن التضخم، ما يوحي بأن توقعات الأسعار في الربع الثالث قد تكون أعلى مما كان متوقعاً. وتضمنت البيانات الصادرة عن البنك إشارة إلى أن التوقعات الاقتصادية لا تزال غير مؤكدة، لكن التركيز على التضخم قد يمهد الطريق لرفع أسعار الفائدة في المستقبل إذا استمرت ضغوط الأسعار.
في أوروبا، تجاهل الجنيه الإسترليني (GBP) البيانات التي أظهرت تباطؤ النمو الاقتصادي البريطاني إلى 0.3% بين أبريل ويونيو من هذا العام، بالإضافة إلى نمو عجز الحساب الجاري إلى ما يعادل 3.8% من الناتج المحلي الإجمالي. ويُعد هذا العجز، الذي تجاوز التوقعات بكثير، مؤشراً على ضعف الاقتصاد البريطاني المستمر. ورغم ذلك، ظل الجنيه ثابتاً عند 1.3436 دولار، بينما ارتفع اليورو (EUR) بنسبة 0.1% مقابل الدولار الأمريكي ليصل إلى 1.174 دولار.
في النهاية تؤكد هذه التطورات أن العوامل السياسية الداخلية في الولايات المتحدة أصبحت المُحرك الأقوى للتقلبات في السوق العالمي، متجاوزةً في بعض الأحيان المؤشرات الاقتصادية الروتينية. إن التهديد بإغلاق الحكومة لا يهدد فقط وظائف المسؤولين الفيدراليين، بل يعيق قدرة صناع السياسات على فهم وتوجيه الاقتصاد. بالنسبة لمتداولي العملات، فإن هذا الغموض يعزز جاذبية الملاذات الآمنة أو العملات التي لديها قصص رفع فائدة واضحة، مثل الين الياباني، على حساب الدولار الأمريكي. ويبقى السؤال معلقاً: هل سينجح الكونغرس في تجاوز خلافاته قبل فوات الأوان، أم سيستمر الدولار الأمريكي في تحمل عبء الفشل السياسي؟
اقرأ أيضا…