أسعار الذهب تتأهب لأفضل أداء شهري في 16 عاما

تشهد أسواق المعادن الثمينة حالة من الصعود غير المسبوق، حيث سجلت أسعار الذهب ارتفاعاً جديداً يوم الثلاثاء الماضي، وتتجه لتسجيل أفضل أداء شهري لها منذ ما يقرب من ستة عشر عاماً. هذا الارتفاع القياسي مدفوع بشكل رئيسي بمزيج من التخوفات السياسية والاقتصادية، أبرزها المخاوف من الإغلاق المحتمل للحكومة الأمريكية، والتوقعات المتزايدة بخفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي. هذا الاندفاع نحو الذهب يعكس حاجة المستثمرين الماسة لأصل يحمي رؤوس أموالهم من الاضطرابات المنهجية وتقلبات العملات، مما يؤكد دوره التاريخي كضمان ضد المخاطر العالمية المتصاعدة.
الأداء القياسي لأسعار الذهب والبيانات الفنية
ارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 1% ليصل إلى 3,870.14 دولار للأونصة، وهو ما يضع المعدن الأصفر على مسار تحقيق مكاسب شهرية بنسبة 12.3% حتى الآن في سبتمبر، ليكون أكبر مكسب شهري يسجله الذهب بالنسبة المئوية منذ نوفمبر عام 2009. كما ارتفعت العقود الآجلة للذهب الأمريكي لتسليم ديسمبر بنسبة 1.1% إلى 3,897.80 دولار.
ويشير هذا الزخم القوي إلى أن السوق بات ينظر إلى الذهب كملاذ آمن لا غنى عنه في ظل الضبابية الراهنة. يتجاوز هذا الأداء مجرد المكاسب اليومية؛ فهو يمثل تحولاً هيكلياً في تفضيلات الأصول، حيث يفضل المستثمرون السيولة والأمان في المعدن الثمين على أدوات الدين التقليدية التي تعاني من ضغوط التضخم ومخاطر العجز.
ويؤكد تيم ووترر، كبير محللي السوق في KCM Trade، أن شبح إغلاق الحكومة الأمريكية يلقي بظلال من عدم اليقين على السوق، وهو ما عمل على تسريع مكاسب الذهب. ويرى ووترر أن مستوى 4,000 دولار أصبح “هدفاً قابلاً للتحقق” بحلول نهاية العام، خاصة مع استمرار العوامل الإيجابية التي تعمل لصالح المعدن الثمين، مثل بيئة أسعار الفائدة المنخفضة المرتقبة واستمرار بؤر التوتر الجيوسياسي. إن تحقيق مستوى الـ 4,000 دولار يمثل عتبة نفسية مهمة للمستثمرين العالميين، وإذا تم اختراق هذا الحاجز، فإنه قد يطلق موجة شرائية جديدة. إن حالة عدم الاستقرار المستمرة في مناطق التوتر حول العالم تزيد من الطلب المادي على الذهب، حيث يخشى المستثمرون من تفاقم الصراعات التي قد تؤثر على سلاسل الإمداد العالمية والاستقرار الاقتصادي العام.
العوامل الدافعة الرئيسية لارتفاع أسعار الذهب وتأثيرها المباشر
يمكن تلخيص دوافع الارتفاع الحالي لأسعار الذهب في عاملين رئيسيين:
- المخاطر السياسية الأمريكية وإغلاق الحكومة: لا يزال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وخصومه الديمقراطيون يواجهون صعوبة في التوصل إلى اتفاق لتفادي إغلاق حكومي جزئي قد يؤدي إلى تعطيل مجموعة واسعة من الخدمات بحلول يوم الأربعاء. هذا السيناريو يزيد من حالة القلق في الأسواق ويدفع المستثمرين للبحث عن أصول أقل مخاطرة. الجدير بالذكر أن الإغلاق الحكومي يعني توقف العديد من الأنشطة الاقتصادية غير الأساسية، وإجبار مئات الآلاف من الموظفين الفيدراليين على أخذ إجازات غير مدفوعة الأجر، مما يؤدي إلى تباطؤ الإنفاق الاستهلاكي وتدهور الثقة في قدرة الإدارة على إدارة الشؤون المالية، وهو ما يصب مباشرة في مصلحة المعدن النفيس.
- توقعات خفض الفائدة الفيدرالي وتكلفة الفرصة البديلة: عززت البيانات الاقتصادية الأمريكية الأخيرة التوقعات بحدوث المزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة هذا العام. وتشير أداة FedWatch التابعة لمجموعة CME إلى أن المتداولين يسعرون احتمالاً بنحو 89% لخفض بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع الاحتياطي الفيدرالي القادم في أكتوبر. يُذكر أن الذهب يزدهر تقليدياً في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة، حيث تقل تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن الذي لا يدر عائداً. تستند هذه العلاقة إلى مفهوم “العائد الحقيقي”؛ فعندما تنخفض أسعار الفائدة وتظل معدلات التضخم مرتفعة، يصبح العائد الحقيقي على السندات ضعيفاً أو سلبياً، مما يجعل الذهب، الذي لا يدر عائداً ولكنه يحافظ على القيمة، خياراً استثمارياً أكثر جاذبية للمحافظ الكبيرة.
وقد علق رئيس الاحتياطي الفيدرالي في سانت لويس، ألبرتو مسالم، مؤخراً، بأنه منفتح على المزيد من التخفيضات، لكنه أضاف ضرورة أن يظل البنك المركزي حذراً ويحافظ على أسعار فائدة مرتفعة بما يكفي لمواصلة مكافحة التضخم.
نظرة على استثمارات الصناديق والبيانات الاقتصادية القادمة
في مؤشر على تزايد شهية المستثمرين، أعلن صندوق SPDR Gold Trust، وهو أكبر صندوق متداول في البورصة مدعوم بالذهب في العالم، أن مقتنياته ارتفعت بنسبة 0.60% لتصل إلى 1,011.73 طناً مترياً يوم الاثنين، وهو أعلى مستوى له منذ يوليو 2022. هذا الارتفاع في حيازة الصندوق لا يعكس فقط التوقعات الصاعدة قصيرة الأجل، ولكنه يؤكد ثقة المستثمرين المؤسسيين في الاتجاه الصعودي طويل الأجل للذهب كأصل استراتيجي للتنويع والحماية من تقلبات الدولار الأمريكي.
وينتظر المستثمرون الآن مجموعة من البيانات الأمريكية الهامة التي ستوفر مزيداً من الأدلة حول صحة الاقتصاد، وتشمل بيانات فرص العمل، وكشوف المرتبات الخاصة، ومؤشر مديري المشتريات الصناعي (ISM)، وتقرير كشوف المرتبات غير الزراعية يوم الجمعة. ويُشار إلى أن وزارة العمل الأمريكية أكدت أن وكالتها الإحصائية ستعلق إصدار البيانات، بما في ذلك تقرير التوظيف الشهري الذي يحظى بمتابعة وثيقة لشهر سبتمبر، في حال حدوث إغلاق حكومي جزئي.
وتُعد بيانات الوظائف، وخاصة تقرير الوظائف غير الزراعية (NFP)، بمثابة الشريان الحيوي لقرارات الفيدرالي، وإذا تم تعليق إصدارها، فإن حالة انعدام الرؤية في السوق ستزداد سوءًا، مما يجبر المستثمرين على الاعتماد بشكل أكبر على الذهب كمرساة استقرار في محيط المعلومات المعتم.
المعادن الثمينة الأخرى
لم يكن الذهب هو المستفيد الوحيد، فقد ارتفع سعر الفضة الفورية بنسبة 0.3% إلى 47.08 دولار للأونصة، محققاً صعوداً شهرياً بنسبة 18.6%، وهو ما يشير إلى طلب قوي أيضاً على الفضة كمعدن صناعي وكملاذ آمن ثانوي. كما ارتفع البلاتين بنسبة 0.5% إلى 1,609.40 دولار، وصعد البلاديوم بنسبة 0.9% إلى 1,278.62 دولار.
اقرأ أيضا…