الأسهم الأمريكية تتراجع بضغط من بيانات سوق العمل

شهدت أسواق الأسهم الأمريكية مؤخراً تراجعاً ملحوظاً، حيث أغلقت المؤشرات الرئيسية مثل S&P 500 و Nasdaq Composite و Dow Jones Industrial Average على انخفاض لعدة أيام متتالية. هذا التراجع، الذي أثار قلق العديد من المستثمرين، كان مدفوعاً بعدة عوامل رئيسية، أبرزها أداء بعض الأسهم القيادية مثل أوراكل وتيسلا، بالإضافة إلى البيانات الاقتصادية التي صدرت مؤخراً والتي غيرت نظرة السوق تجاه سياسة البنك الاحتياطي الفيدرالي.
أوراكل: من نجم صاعد إلى ضغط على السوق
كانت أسهم شركة أوراكل، التي تعد من أبرز الأسهم المرتبطة بقطاع الذكاء الاصطناعي، أحد أهم الأسباب وراء هذا التراجع. بعد أن حققت مكاسب هائلة في الفترة الماضية، بدأت أسهم الشركة في الهبوط بشكل حاد، لتسجل خسائر لثلاثة أيام متتالية. هذا الانخفاض جاء بعد تقارير تشير إلى أن تقييم الشركة مبالغ فيه بشكل كبير، وأن صفقاتها الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي قد لا تؤثر بشكل كبير على أعمالها الأساسية في مجال الحوسبة السحابية.
يرى المحللون أن هذا التراجع قد يكون تصحيحاً طبيعياً بعد الارتفاع السريع الذي شهدته أسهم الشركة، خاصة بعد أن وصلت قيمتها السوقية إلى مستويات قياسية في وقت قصير. التساؤلات حول علاقاتها التجارية في قطاع الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً بعد بعض الصفقات الأخيرة، أضافت مزيداً من الشكوك حول استدامة نموها.
ارتفاع عوائد سندات الخزانة وبيانات التوظيف يهبطان بالأسهم الأمريكية
لم تكن أوراكل وحدها هي من قادت هذا التراجع، فقد شهدت أسهم شركات أخرى مثل تيسلا انخفاضاً أيضاً. بالتزامن مع ذلك، كان هناك عامل آخر يؤثر على معنويات السوق وهو ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات، والتي تجاوزت نسبة 4.2%. هذا الارتفاع يجعل الاستثمار في الأسهم أقل جاذبية للمستثمرين الباحثين عن عوائد مستقرة، حيث توفر السندات عائداً مضموناً نسبياً. ببساطة، عندما تزيد عوائد السندات، يميل جزء من الأموال إلى التحول من الأسهم ذات المخاطر العالية إلى السندات الأكثر أماناً، مما يضع ضغطاً بيعياً على الأسهم الأمريكية.
كما لعبت البيانات الاقتصادية دوراً هاماً في تراجع الأسهم الأمريكية. فقد أظهرت أحدث التقارير أن طلبات إعانة البطالة الأولية كانت أقل من التوقعات، مما يشير إلى قوة سوق العمل. في حين أن هذا يعتبر مؤشراً إيجابياً للاقتصاد بشكل عام، إلا أنه يثير مخاوف المستثمرين من أن البنك الاحتياطي الفيدرالي قد يتردد في خفض أسعار الفائدة مرة أخرى، وهو ما كان يعتمد عليه المستثمرون كمحفز للارتفاع. فالبنك المركزي يراقب عن كثب بيانات التوظيف والتضخم لاتخاذ قراراته، وسوق عمل قوي يعني أن هناك متسعاً أكبر للبنك للتمسك بسياسته النقدية الحالية أو حتى تشديدها إذا لزم الأمر، مما يقلل من جاذبية الأصول عالية المخاطر مثل الأسهم.
المستقبل: ترقب وحذر وسط ضبابية اقتصادية
يواجه المستثمرون حالياً حالة من الترقب والحذر. فهم يتابعون عن كثب التطورات الاقتصادية، بما في ذلك مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي الذي سيصدر قريباً، والذي يعتبر مقياساً مهماً للتضخم بالنسبة للبنك الاحتياطي الفيدرالي. بالإضافة إلى ذلك، يراقبون التطورات المتعلقة باحتمالية إغلاق الحكومة الأمريكية، والذي قد يؤدي إلى تسريح جماعي لموظفي الحكومة الفيدرالية، مما سيزيد من حالة عدم اليقين في السوق.
في النهاية، تظل أسواق الأسهم الأمريكية شديدة التأثر بالعوامل الاقتصادية والسياسية. وتعد التراجعات الحالية تذكيراً بأن الأسواق لا تتحرك دائماً في اتجاه واحد، وأن فهم العوامل المحركة هو مفتاح اتخاذ القرارات الاستثمارية السليمة، سواء كانت هذه العوامل داخلية مرتبطة بأداء الشركات، أو خارجية مرتبطة بالسياسات النقدية والظروف الاقتصادية الكلية.
اقرأ أيضا…