أسعار الذهب تترقب بيانات اقتصادية أمريكية حاسمة

شهدت أسعار الذهب استقرارًا ملحوظًا يوم الخميس، مدعومةً بتراجع طفيف في سعر الدولار الأمريكي. ويأتي هذا الاستقرار في ظل حالة من الحذر والترقب لدى المستثمرين، الذين يراقبون عن كثب صدور بيانات اقتصادية أمريكية رئيسية. هذه البيانات من شأنها أن تقدم رؤى أوضح حول المسار المستقبلي للسياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، وهو العامل الذي يحدد بشكل كبير توجهات أسعار الذهب. فالمعدن الأصفر، الذي لا يدر عائدًا، يتأثر سلبًا بارتفاع أسعار الفائدة التي تزيد من جاذبية الأصول الأخرى مثل السندات.
تحليل أداء أسعار الذهب والعوامل المؤثرة
في التعاملات الفورية، ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 0.1% لتصل إلى $3,739.22 للأونصة، بينما استقرت العقود الأمريكية الآجلة للذهب عند $3,769.60. يأتي هذا الاستقرار بعد أن سجل المعدن الأصفر، الذي يعتبر ملاذًا آمنًا في أوقات عدم اليقين الاقتصادي، ارتفاعًا قياسيًا بلغ $3,790.82 يوم الثلاثاء الماضي، مما يعكس ثقة المستثمرين في دوره كأصل يحفظ القيمة.
ويعد انخفاض مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة 0.1% أحد أبرز العوامل التي جعلت الذهب، المسعّر بالعملة الخضراء، أقل تكلفة للمشترين من حاملي العملات الأخرى. فعندما تنخفض قيمة الدولار، تصبح أونصة الذهب أرخص نسبيًا باليورو أو الين، مما يحفز الطلب من الأسواق العالمية. وفي هذا الصدد، يوضح إيليا سبيفاك، رئيس قسم الاقتصاد الكلي العالمي في شركة Tastylive، أن “صعود أسعار الذهب قد يعكس توقعات بأن الفيدرالي ينوي تسخين الاقتصاد الأمريكي، حيث يعيد توازن تركيزه نحو سوق العمل”. ويعني “تسخين الاقتصاد” أن الفيدرالي قد يكون مستعدًا للتسامح مع مستويات تضخم أعلى قليلاً لتحقيق أهداف التوظيف الكامل، وهو سيناريو إيجابي تقليديًا للذهب.
توقعات الخبراء ومستويات الدعم والمقاومة
يشير المحللون الفنيون إلى مستويات دعم رئيسية حول $3,700 و $3,600. هذه المستويات تمثل نقاطًا نفسية وفنية يتوقع أن يزيد عندها حجم الشراء، مما يمنع الأسعار من الانخفاض أكثر. وفي المقابل، يمثل أعلى سعر حديث بالقرب من $3,790 مستوى مقاومة حاسمًا، حيث قد يؤدي اختراقه إلى فتح الطريق أمام مستويات جديدة بين $3,870 و $3,875، وقد يتبعه وصول إلى $4,000. هذه التحركات تعكس معركة بين قوى العرض والطلب في السوق، حيث تحاول الثيران (المشترون) دفع الأسعار لأعلى بينما تحاول الدببة (البائعون) دفعها للأسفل.
على صعيد السياسة النقدية، أكدت ماري دالي، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، دعمها الكامل لقرار الفيدرالي بخفض سعر الفائدة الأسبوع الماضي، متوقعةً المزيد من التخفيضات في المستقبل. وتأتي هذه التصريحات لتعزز من توقعات السوق بأن المسار العام للسياسة النقدية يتجه نحو التيسير، وهو ما يوفر بيئة مواتية لارتفاع أسعار الذهب.
البيانات الاقتصادية المرتقبة وتأثيرها المحتمل
تترقب الأسواق تقرير مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE)، وهو مقياس التضخم المفضل لدى الاحتياطي الفيدرالي لأنه يعكس بشكل أفضل التغيرات في سلوك المستهلكين. ومن المتوقع أن يظهر التقرير ارتفاعًا بنسبة 0.3% على أساس شهري لشهر أغسطس، وبنسبة 2.7% على أساس سنوي. ويرى برايان لان، المدير الإداري لشركة GoldSilver Central، أن “بيانات التضخم لن تؤثر بشكل كبير على أسعار الذهب ما لم تكن مرتفعة بشكل استثنائي”، موضحًا أن توقعات التضخم المعتدلة قد تم تسعيرها بالفعل في السوق.
كما سيتم الإعلان عن بيانات طلبات إعانة البطالة الأسبوعية الأمريكية في وقت لاحق من يوم الخميس، والتي ستقدم رؤى إضافية حول أوضاع سوق العمل. وتعتبر هذه البيانات مؤشرًا حيويًا على صحة الاقتصاد، حيث أن ضعف سوق العمل قد يزيد من الضغط على الفيدرالي لتسريع وتيرة خفض الفائدة. وتتوقع الأسواق بشكل واسع تخفيضين إضافيين لأسعار الفائدة من الفيدرالي بمقدار 25 نقطة أساس هذا العام، في أكتوبر وديسمبر.
ختاما يظل الذهب في وضع حذر، حيث يتوازن بين تأثير ضعف الدولار وتوقعات خفض سعر الفائدة من جهة، وترقب البيانات الاقتصادية التي قد تغير المشهد من جهة أخرى. ومع ذلك، تبقى النظرة العامة للمعدن الأصفر إيجابية، مما يعزز دوره كملاذ استثماري آمن في الأوقات غير المستقرة. فعلى المدى الطويل، يظل الذهب أداة فعالة للتحوط ضد التضخم والتقلبات الاقتصادية، مما يجعله مكونًا أساسيًا في محافظ المستثمرين حول العالم.
اقرأ أيضا…