أخبار الأسواقأخبار النفطسلع

أسعار النفط بدعم من تحديات العرض ومخزونات متقلبة

شهدت أسواق النفط مؤخراً ارتفاعاً في أسعار النفط الخام، مدفوعة بمجموعة من العوامل التي تضغط على جانب العرض العالمي. في الوقت الذي تترقب فيه الأسواق بيانات المخزونات الرسمية، أظهرت تقارير حديثة تراجعاً في مخزونات الخام الأمريكية، مما عزز من شعور السوق بوجود نقص محتمل في الإمدادات. هذا الارتفاع ليس مجرد رد فعل على الأرقام الفورية، بل هو نتيجة لتفاعل معقد بين القضايا الجيوسياسية ومشاكل الإنتاج التي تؤثر على كبار المنتجين.

تراجع المخزونات الأمريكية يرفع أسعار النفط

وفقاً لبيانات معهد البترول الأمريكي (API)، انخفضت مخزونات النفط الخام في الولايات المتحدة، وهو ما أضاف زخماً إيجابياً لـ أسعار النفط. غالباً ما يُفسر هذا الانخفاض على أنه مؤشر على قوة الطلب أو انحسار العرض، وكلاهما يميل إلى دعم أسعار النفط صعوداً. وقد ارتفع سعر خام برنت بمقدار 40 سنتاً للبرميل، ليصل إلى 68.03 دولار، في حين سجل خام غرب تكساس الأمريكي (WTI) مكاسب بلغت 38 سنتاً، ليقف عند 63.79 دولار.

هذا الارتفاع يعكس مدى حساسية السوق لبيانات المخزونات، حيث يعتبرها المستثمرون دليلاً على صحة الاقتصاد وحجم الطلب الصناعي والاستهلاكي. وعندما تتراجع المخزونات بشكل غير متوقع، يزداد القلق بشأن قدرة الإمدادات الحالية على تلبية الاحتياجات المستقبلية، مما يدفع المضاربين نحو الشراء، وبالتالي يرتفع السعر.

توترات جيوسياسية تضغط على الإمدادات

لم يكن تراجع المخزونات وحده هو المحرك الرئيسي لارتفاع أسعار النفط. فالعوامل الجيوسياسية لعبت دوراً حاسماً في تعزيز الشعور بتشديد الإمدادات. لا يزال استئناف صادرات النفط من إقليم كردستان العراق معطلاً، مما أدى إلى وقف تدفق 230 ألف برميل يومياً من الخام إلى ميناء جيهان التركي. تعثر الاتفاق بين بغداد وأربيل، بسبب طلبات شركتين منتجتين لضمانات سداد الديون، يزيد من حالة عدم اليقين في السوق. هذا التوقف المستمر منذ مارس 2023 يمثل خسارة كبيرة للإمدادات العالمية، ويُظهر كيف يمكن للنزاعات الداخلية أن تؤثر مباشرة على الأسواق الدولية.

كما عادت التوترات في أوروبا الشرقية لتلقي بظلالها على أسواق النفط. مع تزايد الهجمات الأوكرانية بالطائرات المسيرة على مصافي التكرير الروسية، بدأت روسيا تعاني من نقص في بعض درجات الوقود، مما قد يؤثر على قدرتها على التصدير. هذه الهجمات تستهدف بشكل مباشر قدرة موسكو على تكرير نفطها وتوفير المشتقات اللازمة، مما يهدد بتقليص عائداتها من الطاقة ويخلق حالة من عدم الاستقرار في سلسلة التوريد.

إضافة إلى ما سبق، تواجه شركة شيفرون قيوداً على صادراتها النفطية من فنزويلا بسبب مسائل متعلقة بتراخيص الولايات المتحدة، الأمر الذي يضيف طبقة أخرى من التعقيد إلى معادلة العرض والطلب العالمية، ويقلل من قدرة فنزويلا على استعادة موقعها كلاعب رئيسي في السوق. هذه العوامل مجتمعة تخلق بيئة من الشك والتوتر، مما يجعل السوق أكثر عرضة للارتفاعات السعرية.

تباين بين التوقعات قصيرة وطويلة المدى

في حين أن العوامل الحالية تدعم ارتفاع أسعار النفط على المدى القصير، إلا أن المحللين ينظرون إلى الصورة الأكبر بحذر. يرى البعض، مثل المحلل في “بي.في.إم أويل أسوسيتس” تاماس فارغا، أن السوق يتوقع فائضاً في المعروض العالمي خلال الربع الأخير من العام. هذا التوقع يستند إلى عوامل مثل التوقعات بتباطؤ نمو الطلب العالمي وسط المخاوف من ركود اقتصادي محتمل، بالإضافة إلى زيادة محتملة في الإنتاج من بعض الدول. وتؤكد وكالة الطاقة الدولية هذا التوقع في تقريرها الشهري الأخير، مشيرة إلى أن الإمدادات النفطية العالمية ستنمو بشكل أسرع هذا العام، وأن الفائض قد يتسع في عام 2026. هذا التباين بين الضغوط قصيرة المدى على العرض والتوقعات طويلة المدى بوجود فائض يخلق حالة من الحذر لدى المستثمرين، ويجعل التنبؤ بمسار الأسعار على المدى الطويل أمراً صعباً.

باختصار، يظل سوق النفط في حالة تقلب مستمرة، حيث تتأرجح أسعار النفط بين ضغوط العرض الناتجة عن التوترات الجيوسياسية والتوقعات المستقبلية بوجود فائض في الإنتاج. ورغم أن تراجع المخزونات الأمريكية الأخيرة قد يوفر أرضية صلبة للأسعار في الوقت الراهن، فإن الأسواق تراقب عن كثب تطورات الأحداث في العراق وروسيا وفنزويلا، والتي ستحسم الاتجاه المستقبلي لأسعار النفط.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى