أخبار الأسواقأخبار النفطسلع

أسعار النفط ترتفع وسط ترقب الإمدادات في الأسواق

شهدت أسعار النفط تقلبات حادة مؤخراً، مدفوعةً بمزيج من العوامل الاقتصادية الكلية والتطورات الجيوسياسية. وفي أحدث التداولات، سجلت أسعار الخام ارتفاعاً طفيفاً، حيث يترقب المستثمرون عن كثب مستويات المخزون العالمية، ويقيمون تأثير الأنباء الأخيرة من الشرق الأوسط. يأتي هذا الارتفاع بعد أن توصلت الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان إلى اتفاق أولي لإعادة تشغيل خط أنابيب النفط المتجه إلى تركيا، وهو ما يُعدّ تطوراً حاسماً يمكن أن يغير ديناميكيات العرض في المنطقة.

تأثرت أسعار النفط بعوامل متعددة ومتشابكة. فبينما ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 14 سنتًا لتصل إلى 66.71 دولارًا للبرميل، ارتفع خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي 21 سنتًا ليبلغ 62.49 دولارًا للبرميل. هذا الارتفاع المفاجئ جاء بعد سلسلة من الانخفاضات الحادة، حيث فقدت الأسعار نحو 3% من قيمتها خلال الجلسات الأربع الماضية، وهو ما يعكس حالة عدم اليقين السائدة في الأسواق.

العوامل المحفزة والضاغطة على أسعار النفط

تتفاعل عوامل مختلفة لتدعم أسعار النفط أو تضغط عليها. من العوامل التي تُقدم الدعم للأسعار هي استمرار انخفاض مخزونات النفط في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). يُنظر إلى هذه المخزونات كدرع أمان في وجه أي اضطرابات في الإمدادات، وانخفاضها يشير إلى أن الطلب لا يزال قوياً نسبياً، أو أن العرض لا يواكب الاستهلاك. وعلى النقيض من ذلك، هناك عوامل تضغط بقوة على الأسعار، أبرزها الزيادة في صادرات النفط من دول “أوبك+”، التي تسعى لاستعادة حصتها السوقية. كما أن غياب عقوبات جديدة ومشددة تستهدف صادرات النفط الروسية يساهم في إبقاء مستويات المعروض مرتفعة، وهو ما يضع ضغطاً هبوطياً على الأسعار.

كما تلعب التطورات في سوق العملات دورًا حيويًا؛ فارتفاع قيمة الدولار الأمريكي غالبًا ما يضغط على أسعار النفط. نظرًا لأن النفط يُسعّر بالدولار، فإن قوة الدولار تجعل شراءه أكثر تكلفة بالنسبة للدول التي تستخدم عملات أخرى، مما قد يؤدي إلى انخفاض الطلب. بالإضافة إلى ذلك، تتابع الأسواق عن كثب التطورات الجيوسياسية في الشرق الأوسط، خاصة بعد الاتفاق الذي يسمح باستئناف صادرات النفط من إقليم كردستان العراق، والتي توقفت منذ مارس 2023 بسبب نزاع قانوني بين بغداد وأنقرة. هذا الاختراق سيسمح باستئناف تصدير حوالي 230 ألف برميل يوميًا، وهو ما يعادل ما يقارب 0.2% من المعروض العالمي، وهو رقم وإن كان يبدو صغيراً، إلا أن له تأثيراً كبيراً على معنويات السوق ويعزز المخاوف بشأن فائض المعروض.

توقعات مستقبلية وديناميكيات الطلب على أسعار النفط

بشكل عام، يواجه سوق النفط العالمي توقعات بزيادة المعروض في المدى القريب، يرافقها تباطؤ محتمل في نمو الطلب. يساهم في هذا التباطؤ عوامل هيكلية مثل النمو السريع للمركبات الكهربائية التي تقلل من الاعتماد على الوقود التقليدي في قطاع النقل. كما أن المخاوف الاقتصادية العالمية، مثل التضخم وارتفاع أسعار الفائدة في العديد من الاقتصادات الكبرى، قد تؤدي إلى تراجع النشاط الصناعي والاستهلاكي، مما يقلل من الطلب على الطاقة.

أشارت وكالة الطاقة الدولية (IEA) في تقريرها الأخير إلى أن المعروض العالمي من النفط سيزداد هذا العام، وقد يتسع الفائض في عام 2026. وتتوقع الوكالة أن يكون النمو في المعروض من خارج تحالف “أوبك+”، بقيادة الولايات المتحدة والبرازيل وكندا، كافياً لتغطية أي زيادة في الطلب، بل وقد يتجاوزها. هذا السيناريو قد يدفع الأسعار إلى الاستقرار أو الانخفاض، ما لم تظهر تطورات جيوسياسية جديدة أو تخفيضات مفاجئة في الإنتاج من قبل “أوبك+”.

علاوة على ذلك، لا يمكن إغفال دور المضاربات في الأسواق المالية. حيث يمكن أن تؤدي صناديق التحوط والمستثمرون إلى تحركات كبيرة في أسعار النفط بناءً على توقعاتهم للعرض والطلب، حتى لو كانت هذه التوقعات لا تستند إلى أساسيات قوية. كما أن سياسات الاحتياطي الاستراتيجي للبترول في الدول الكبرى، مثل الولايات المتحدة، يمكن أن تؤثر على الأسواق؛ فالسحب من الاحتياطي يعزز العرض ويضغط على الأسعار، في حين أن إعادة الملء تدعمها.

إن مستقبل سوق أسعار النفط يعتمد بشكل كبير على التوازن الدقيق بين هذه القوى المتعارضة: التوترات الجيوسياسية التي تهدد الإمدادات من جهة، والتحولات الهيكلية في الطاقة والضغوط الاقتصادية التي تخفف من الطلب من جهة أخرى.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى