الفيدرالي الأمريكي يخفض الفائدة: تحليل لقرار جريء وتداعياته الاقتصادية

في خطوة كانت متوقعة على نطاق واسع في الأوساط المالية، أقر الفيدرالي الأمريكي، البنك المركزي للولايات المتحدة، الأربعاء الماضي تخفيضاً في سعر الفائدة الرئيسي بمقدار ربع نقطة مئوية. ولم يكتفِ الفيدرالي الأمريكي بهذا القرار، بل أشار أيضاً إلى احتمال وجود تخفيضين إضافيين قبل نهاية العام، في إشارة إلى تزايد القلق بشأن سوق العمل الأمريكية.
,يُعد هذا التحرك في السياسة النقدية ذا أهمية قصوى، حيث يؤثر بشكل مباشر على تكاليف الاقتراض للشركات والأفراد، مما ينعكس على الإنفاق الاستهلاكي والاستثمار، وبالتالي على مجمل النشاط الاقتصادي. عادة ما يلجأ الفيدرالي الأمريكي لخفض الفائدة لتحفيز الاقتصاد في أوقات التباطؤ، لكن هذه الخطوة تأتي في ظل ظروف اقتصادية معقدة تتطلب موازنة دقيقة بين دعم النمو ومكافحة التضخم.
تفاصيل القرار ودلالاته الداخلية
جاء هذا القرار بتصويت كبير لصالح التخفيض بنسبة 11 مقابل صوت واحد معارض، مما يعكس إجماعاً أوسع مما كان متوقعاً. ونتيجة لهذا التخفيض، أصبح سعر الفائدة الرئيسي يتراوح الآن بين 4.00% و 4.25%. كان المعارض الوحيد هو الحاكم ستيفن ميران، الذي كان يؤيد تخفيضاً أكبر بمقدار نصف نقطة مئوية.
وقد انضم إليه في الموافقة حاكمان آخران، ميشيل بومان وكريستوفر والير، كلاهما من المعينين من قبل الرئيس دونالد ترامب. يعكس التصويت الكبير لصالح التخفيض رغبة أغلبية أعضاء لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية (FOMC) في اتخاذ إجراءات استباقية لمعالجة المخاطر المتزايدة التي تهدد استقرار الاقتصاد. ويُظهر التصويت المعارض من ميران وجود وجهة نظر مختلفة داخل البنك المركزي، ترى أن الاقتصاد يحتاج إلى صدمة أقوى لتعويض الضرر المحتمل في المستقبل. هذه الانقسامات داخل اللجنة، وإن كانت طفيفة، تحمل أهمية كبيرة للمراقبين، حيث تشير إلى وجود نقاش داخلي حول سرعة وعمق التخفيضات المستقبلية.
تحليل بيان الفيدرالي الأمريكي وتوقعاته
وفي بيانه الرسمي بعد الاجتماع، وصف الفيدرالي الأمريكي النشاط الاقتصادي بأنه “تباطأ”، مع إضافة لغة جديدة تشير إلى أن “مكاسب الوظائف قد تباطأت”، كما أشار إلى أن التضخم “قد ارتفع وبقي مرتفعاً إلى حد ما”. هذا التناقض بين تباطؤ نمو الوظائف وارتفاع التضخم يضع الفيدرالي الأمريكي في موقف صعب، إذ يتعارض مع أهدافه المزدوجة المتمثلة في استقرار الأسعار والوصول إلى التوظيف الكامل.
وأكد البيان أن “الغموض حول التوقعات الاقتصادية لا يزال مرتفعاً”، وأن “المخاطر السلبية على التوظيف قد ازدادت”. هذا الاعتراف الرسمي من الفيدرالي الأمريكي بوجود تباطؤ في سوق العمل يشير إلى تحول في تركيزه من مكافحة التضخم إلى دعم التوظيف، وهو ما يبرر قرار خفض الفائدة.
وقد أظهرت توقعات المسؤولين، التي يتم متابعتها عن كثب في ما يُعرف بـ “مخطط النقاط” (dot plot)، وجود تخفيضين آخرين محتملين في أسعار الفائدة هذا العام، وهو ما يتوافق مع توقعات الأسواق. ومع ذلك، كشف الرسم البياني عن تباين كبير في آراء المشاركين، حيث أشار أحدهم إلى أن إجمالي التخفيضات قد يصل إلى 1.25 نقطة مئوية. وقد أشار تسعة من المشاركين التسعة عشر إلى تخفيض واحد فقط هذا العام، بينما توقع عشرة منهم تخفيضين إضافيين، مما يشير إلى تحركات محتملة في اجتماعي أكتوبر وديسمبر.
وقد أشار المخطط أيضاً إلى توقع تخفيض واحد فقط في عام 2026، مما يعد أبطأ بكثير من تسعير السوق الحالي لثلاثة تخفيضات. كما أشار المسؤولون إلى تخفيض آخر في عام 2027، مع اقتراب الفيدرالي الأمريكي من المعدل المحايد على المدى الطويل البالغ 3%. هذا التباين في التوقعات يعكس اختلاف وجهات النظر حول المسار الصحيح للسياسة النقدية، ويجعل المستثمرين أكثر حذراً في قراءة المستقبل.
الأبعاد السياسية للقرار
ويأتي هذا القرار وسط دراما سياسية كبيرة أثرت على المؤسسة التي عادة ما تبتعد عن الجدل. وقد أثار انتقاد الرئيس ترامب المتواصل لسياسات البنك المركزي وتعيينه لميران تساؤلات حول استقلالية المؤسسة التقليدية عن التأثير السياسي. ويرى البعض أن ميران مؤيد لسياسات الرئيس ورغبته في خفض كبير وسريع لأسعار الفائدة، وذلك بهدف دعم سوق الإسكان وتخفيض تكاليف ديون الحكومة. تُعد استقلالية الفيدرالي الأمريكي حجر الزاوية في قدرته على اتخاذ قرارات صعبة وغير شعبية لحماية الاقتصاد، وقد هددت الانتقادات العلنية المتكررة من قبل الرئيس هذه الاستقلالية بشكل غير مسبوق في التاريخ الحديث للبنك المركزي.
وكان هناك جانب آخر من التشويق السياسي هذا الأسبوع، حيث أصدرت محكمة قراراً بمنع الرئيس ترامب من إقالة الحاكمة ليزا كوك، التي تم تعيينها في عهد الرئيس السابق جو بايدن. وقد اتهم البيت الأبيض كوك بالاحتيال على قروض مدعومة فيدرالياً، على الرغم من عدم توجيه أي اتهامات رسمية. انضمت كوك إلى الأغلبية في التصويت لصالح تخفيض ربع النقطة المئوية. وتُظهر هذه المواجهة القانونية مدى عمق الصراع السياسي الذي أصبح يؤثر على أعضاء مجلس محافظي الفيدرالي الأمريكي، مما يضيف طبقة من التعقيد إلى عمل المؤسسة.
التوقعات المستقبلية للففائدة الأمريكية
في الختام، يُعد قرار الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة خطوة مهمة تعكس قلقاً متزايداً بشأن صحة الاقتصاد، خاصة فيما يتعلق بسوق العمل. فمع تباطؤ نمو الوظائف وارتفاع معدل البطالة إلى 4.3% في أغسطس، وهو أعلى مستوى له منذ أكتوبر 2021، يرى المسؤولون ضرورة التدخل لتجنب مشكلات أكبر في المستقبل.
وتشير التوقعات إلى أن تباطؤ خلق الوظائف، الذي وصل إلى ما يقرب من مليون وظيفة أقل مما كان متوقعاً في عام واحد، كان عاملاً حاسماً في دفع البنك المركزي نحو هذه الخطوة. ومع توقعات بتخفيضات إضافية، يترقب المحللون والمواطنون على حد سواء كيف ستؤثر هذه السياسات على التضخم، والنمو، والتوظيف في الأشهر القادمة، وسط مراقبة دقيقة لكيفية تعامل البنك المركزي مع الضغوط السياسية التي تواجهه.
اقرأ أيضا…