3 سيناريوهات لقرار الفيدرالي الأمريكي وتأثيره المحتمل على الأسواق

يستعد المستثمرون لما قد يكون أهم إعلان للسياسة النقدية هذا العام، حيث يتجه اهتمام الأسواق العالمية نحو قرار الفيدرالي الأمريكي المرتقب بشأن أسعار الفائدة. بعد فترة طويلة من الترقب والحذر، تتزايد التوقعات بشكل ملحوظ بأن يبدأ الفيدرالي الأمريكي أخيراً دورة جديدة من خفض الفائدة. هذا التفاؤل يرتكز على بيانات اقتصادية حديثة تشير إلى أن جهود البنك المركزي لكبح التضخم تؤتي ثمارها، حيث جاءت قراءات التضخم أكثر اعتدالاً، بينما بدأت علامات ضعف حديثة بالظهور في سوق العمل، مما يعطي الفيدرالي الأمريكي مساحة أكبر للتحرك.
تترقب الأسواق بحذر بالغ، فمع انطلاق اجتماع الفيدرالي الأمريكي، تشير الأسعار الحالية في السوق إلى أن هناك فرصة بنسبة 96.2% لأن يخفض الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس. من جانبها، يؤكد بنك “جي بي مورجان” هذه التوقعات بقوة، حيث تمنح احتمالية 95% لخفض الفائدة بصفة عامة، مع ترجيح كبير بنسبة 87.5% أن يكون الخفض المرجح بمقدار 25 نقطة أساس. يرى “أندرو تايلر”، الرئيس العالمي لاستخبارات السوق في الشركة، أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو “خفض تيسيري” (dovish cut)، والذي يعني خفضاً للفائدة يرافقه تعليقات داعمة للتيسير النقدي، وهو ما يتوقع أن يكون له تأثير إيجابي فوري على الأسواق في يوم الإعلان.
فيما يلي تحليل معمق لثلاثة سيناريوهات محتملة لقرار الفيدرالي الأمريكي وكيف يمكن أن تؤثر على الأسواق العالمية والمحلية:
السيناريو الأول: خفض 25 نقطة أساس مع لهجة “تيسرية” (الأكثر ترجيحاً)
يمنح “جي بي مورجان” هذا السيناريو احتمالية 47.5%، مما يجعله السيناريو المفضل لدى المحللين. يتوقع في هذه الحالة أن يقوم الفيدرالي الأمريكي بخفض أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية، مع إصدار تعليقات تظهر قلقا واضحاً من تباطؤ الاقتصاد. هذا الموقف “التيسيري” من شأنه أن يعزز التوقعات بالمزيد من التيسير النقدي في الاجتماعات المقبلة، وهو ما يبعث برسالة إيجابية للمستثمرين.
- التأثير الفوري على السوق : يتوقع أن يؤدي هذا القرار إلى ارتفاع مؤشر S&P 500 بنحو 1% مباشرة بعد الإعلان، ليصل إلى مستوى 6,650 نقطة. هذا الارتفاع يعكس حالة الارتياح في الأسواق، حيث أن القرار يتماشى مع التوقعات.
- ما بعد القرار (ظاهرة “بيع الخبر”): على الرغم من الارتفاع الأولي، أن هذا السيناريو قد يؤدي إلى عمليات بيع لاحقة تحت مبدأ “بيع الخبر”. هذه الظاهرة تحدث عندما يقوم المستثمرون بجني الأرباح بعد تحقق الحدث الذي كانوا يترقبونه، مما قد يدفع مؤشر S&P 500 إلى الانخفاض بنسبة تصل إلى 5% خلال الأسابيع التالية. هذا التراجع المحتمل قد يكون مدفوعاً بعوامل مثل التقييمات الممتدة للأسهم، وتوقعات المستثمرين بأن الفيدرالي الأمريكي لن يكون متساهلا كما يأملون على المدى الطويل، بالإضافة إلى تراجع مؤقت في عمليات إعادة شراء الأسهم من قبل الشركات.
إذا حدثت عمليات بيع، ستكون هناك فرصاً استثمارية جذابة في قطاعات معينة:
- أسهم التكنولوجيا: يواصل البنك تفضيل أسهم التكنولوجيا والإعلام والاتصالات، وخاصة الشركات الكبرى في مجال الذكاء الاصطناعي. هذه الأسهم عادة ما تكون حساسة لأسعار الفائدة المنخفضة لأنها تعتمد على الاقتراض لتمويل نموها المستقبلي، كما أن قيمتها الحالية تعتمد بشكل كبير على التدفقات النقدية المستقبلية التي يتم خصمها بأسعار فائدة أقل.
- أسهم المرافق: يمكن أن تستفيد بشكل مباشر من تراجع توقعات الفائدة، حيث تصبح عوائدها الثابتة أكثر جاذبية مقارنة بسندات الخزانة ذات العائد المنخفض.
- أسهم الرعاية الصحية: تتمتع هذه الشركات بنمو قوي في أرباح السهم، وتعتبر ملاذاً آمناً في فترات التقلب الاقتصادي، كما أن المستثمرين لم يعززوا مراكزهم فيها بعد بشكل كبير.
- أسهم التكنولوجيا الحيوية: قد تستفيد من نشاط الاندماج والاستحواذ المتوقع في القطاع، وهو ما يعد محفزاً قوياً للارتفاع.
السيناريو الثاني: خفض 25 نقطة أساس مع لهجة “تشديدية”
يمنح “جي بي مورجان” هذا السيناريو احتمالية 40%، مما يجعله ثاني أكثر السيناريوهات ترجيحا. في هذه الحالة، يخفض الفيدرالي الأمريكي الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس كما هو متوقع، لكن رئيسه “جيروم باول” يصدر تعليقات متشددة. قد يركز “باول” في خطابه على أن سوق العمل أصبح مصدر قلق أكبر من التضخم، مما يشير إلى أن الفيدرالي الأمريكي قد لا يكون متحمساً لمزيد من الخفض في المستقبل القريب. يكمن التحدي هنا في الرسالة المتضاربة التي يرسلها الفيدرالي الأمريكي: خفض فعلي للفائدة (إجراء تيسيري) مع تعليقات لفظية (متشددة) تهدف إلى لجم التفاؤل المفرط في الأسواق. هذا الموقف يهدف إلى منع الأسواق من الارتفاع بشكل كبير، وهو ما قد يؤدي إلى زيادة الإنفاق وتحفيز التضخم مرة أخرى.
- التأثير الفوري على السوق: يتوقع أن يظل مؤشر S&P 500 ثابتاً أو يتراجع بنصف نقطة مئوية، حيث تلغي التعليقات المتشددة جزءاً كبيراً من التفاؤل الذي دفع الأسواق للارتفاع قبل الاجتماع. هذا السيناريو يثير مخاوف المستثمرين من أن التيسير النقدي لن يكون واسع النطاق كما كانوا يأملون، ويجعلهم يعيدون تقييم توقعاتهم المستقبلية. كما يمكن أن يؤدي هذا الموقف إلى ارتفاع في عوائد سندات الخزانة، وخاصة سندات العشر سنوات، مما يضغط على تقييمات الأسهم التي تعتمد بشكل كبير على التدفقات النقدية المستقبلية، وخاصة أسهم النمو في قطاع التكنولوجيا. المستثمرون الذين دخلوا السوق قبيل الإعلان بناءً على توقعات “خفض تيسيري” خالص، قد يقررون جني أرباحهم، مما يضيف ضغطاً بيعياً على السوق.
سيناريوهات أخرى محتملة (الأقل ترجيحاً)
- عدم تغيير الفائدة (احتمالية 4%): في هذا السيناريو، يقرر الفيدرالي الأمريكي إبقاء أسعار الفائدة ثابتة. هذا القرار غير المتوقع سيعتبر بمثابة صدمة للأسواق، حيث يشير إلى أن الفيدرالي الأمريكي يرى أن الاقتصاد أقوى مما يعتقد المستثمرون، أو أن التضخم لا يزال يمثل تهديداً أكبر مما تبدو عليه البيانات. ومتوقع أن يتراجع مؤشر S&P 500 بنسبة تتراوح بين 1% و2%، ليصل إلى مستوى 6,450 نقطة، وهو ما يعكس خيبة أمل السوق من عدم تحقق التوقعات.
- خفض كبير للفائدة (50 نقطة أساس) (احتمالية 7.5%): يمكن أن يؤدي هذا الخفض المفاجئ والكبير إلى نتائج متضاربة للغاية. من ناحية، قد يفسره البعض كإشارة إلى أن الفيدرالي الأمريكي قلق بشأن تباطؤ حاد في سوق العمل قد يؤدي إلى ركود، مما يثير مخاوف المستثمرين ويؤدي إلى عمليات بيع واسعة. من ناحية أخرى، قد يعتبره البعض دليلاً على أن الفيدرالي الأمريكي يدرك ضرورة “اللحاق” بالواقع الاقتصادي واتخاذ إجراءات حاسمة لمنع الركود، مما قد يؤدي إلى ارتفاع إيجابي في السوق. هذا التضارب في التفسير يضيف قدراً كبيراً من التقلب.
في الختام، تبقى الأسواق في حالة ترقب شديد، حيث يمكن لأي من هذه السيناريوهات أن تحدث تقلبات كبيرة في يوم الإعلان. ولكن يبقى السيناريو الأكثر ترجيحاً، وهو خفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس مع لهجة حمائمية، هو ما تترقبه الأسواق لإنهاء حالة الجمود التي استمرت طويلاً. يبقى الأهم هو مراقبة تعليقات الفيدرالي الأمريكي التي ستحدد مسار السياسة النقدية على المدى المتوسط، وتؤثر على قرارات المستثمرين في الأشهر المقبلة.
اقرأ أيضا…