أخبار الأسواقأخبار الدولار كندياخبار اقتصادية

تباطؤ التضخم الأساسي في كندا يفتح الباب أمام خفض الفائدة

 

في خطوة هامة قد تحدد مسار السياسة النقدية في كندا للأشهر القادمة، أظهرت البيانات الاقتصادية الأخيرة أن الضغوط السعرية الأساسية في البلاد قد تراجعت بشكل ملموس، حتى مع تسارع طفيف في معدل التضخم الرئيسي. هذا التطور يمهد الطريق أمام البنك المركزي الكندي لاستئناف خفض أسعار الفائدة هذا الأسبوع، في خطوة طال انتظارها لدعم الاقتصاد الذي يعاني من ضعف نسبي في عدة قطاعات. كانت الأسواق تترقب هذا التقرير بفارغ الصبر، حيث كان يعتبر المؤشر الحاسم الذي سيحدد ما إذا كانت الظروف الاقتصادية تسمح بتغيير في المسار الحالي للسياسة النقدية.

وفقًا للبيانات الصادرة عن هيئة الإحصاء الكندية يوم الثلاثاء، ارتفع مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 1.9% على أساس سنوي في أغسطس الماضي، مقارنة بـ 1.7% في يوليو. ورغم أن هذا يمثل تسارعًا، إلا أنه كان أقل من التوقعات المتوسطة في استطلاع أجرته بلومبرج للاقتصاديين، وكان مدفوعاً بشكل رئيسي بانخفاض أسعار البنزين بشكل أبطأ في أغسطس مقارنة بالشهر السابق. هذا التباين يسلط الضوء على أهمية عدم الاعتماد على الأرقام الرئيسية وحدها في التحليل الاقتصادي، بل التعمق في مكونات التضخم لفهم الصورة الحقيقية.

ماذا تكشف الأرقام الأساسية؟

إن ما يثير اهتمام صانعي السياسة في البنك المركزي الكندي هو ما يسمى بـ “التضخم الأساسي“، والذي يستثني التقلبات الحادة في أسعار الطاقة والغذاء، مما يوفر قراءة أكثر دقة للضغوط السعرية طويلة الأجل في الاقتصاد. وعند استبعاد أسعار البنزين، تباطأ المؤشر إلى 2.4% في أغسطس، بعد أن كان مستقراً عند 2.5% خلال الأشهر الثلاثة السابقة. هذا التباطؤ في الضغوط السعرية الأساسية هو ما يمنح البنك ثقة أكبر في أن خفض أسعار الفائدة لن يغذي التضخم بشكل غير مرغوب فيه، بل سيوفر الدعم اللازم للاقتصاد دون إثارة مخاوف تضخمية جديدة.

على أساس شهري، انخفض مؤشر أسعار المستهلكين بنسبة 0.1%، وهو تباطؤ أبطأ من توقعات الاقتصاديين، مما يؤكد أن الصورة العامة للتضخم لا تدعو للقلق، وأن معدلات الأسعار في طريقها للعودة إلى المستويات المستهدفة من قبل البنك.

اقتصاد ضعيف يدعم خفض الفائدة

يأتي تقرير التضخم هذا قبل يوم واحد فقط من قرار البنك المركزي الكندي بشأن سعر الفائدة، ومن المرجح أن يعزز قناعة المسؤولين بأن خفض أسعار الفائدة يمكن أن يساعد الاقتصاد المتضرر من الرسوم الجمركية، دون التسبب في ارتفاع التضخم. وكان المسؤولون قد أبقوا على تكاليف الاقتراض دون تغيير عند 2.75% خلال اجتماعاتهم الثلاثة الأخيرة، لتقييم تأثير التعريفات التي فرضها الرئيس دونالد ترامب على الاقتصاد الكندي. لكن يبدو أن الظروف الاقتصادية المتدهورة قد حسمت الجدل بشكل قاطع، فبعد أشهر من التردد، أصبحت المؤشرات الاقتصادية الضعيفة هي الدليل الأقوى الذي يحتاجه البنك للتحرك.

تظهر أحدث تقريرين للعمالة فقدان أكثر من 100 ألف وظيفة في شهري يوليو وأغسطس، مما يشير إلى ضعف حاد في سوق العمل لم يشهده الاقتصاد الكندي منذ فترة طويلة. وارتفع معدل البطالة إلى 7.1% الشهر الماضي، بزيادة نصف نقطة مئوية منذ يناير، مما يعكس تدهورًا في ظروف التوظيف. علاوة على ذلك، انكمش الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني بنسبة 1.6% على أساس سنوي، وهو أكبر تراجع منذ جائحة كوفيد-19. هذه الأرقام القاتمة تؤكد أن النمو الاقتصادي في حالة انكماش، وأن الإجراءات التحفيزية أصبحت ضرورية لتجنب ركود أعمق.

نظرة فاحصة على مؤشرات التضخم المتعددة

إن ضعف الاقتصاد الأخير سيفوق على الأرجح مخاوف البنك بشأن التضخم الأساسي الثابت خلال الأشهر القليلة الماضية. وقد أظهرت مجموعة واسعة من الضغوط السعرية الأساسية بعض التباطؤ، مما يوفر إشارات إيجابية متعددة للبنك. فقد تباطأ متوسط مقياسي التضخم الأساسي المفضلين لدى البنك إلى 3.05% من 3.1% في يوليو. وهذه المؤشرات، التي تتابع عن كثب التضخم الأساسي، تؤكد أن التباطؤ ليس مجرد صدفة بل اتجاه مستمر.

ومع تباطؤ التضخم في قطاع الإسكان إلى 2.6%، وتراجع مؤشر أسعار المستهلكين باستثناء الغذاء والطاقة إلى 2.4%، تتضح الصورة العامة للبنك المركزي. وعلى الرغم من أن حصة المكونات التي ترتفع بنسبة 3% أو أكثر قد ارتفعت قليلاً إلى 39.1%، مما يشير إلى أن بعض الضغوط لا تزال قائمة، فإن الأرقام الأساسية الأهم تشير إلى تباطؤ مستمر في الضغوط التضخمية. هذه المؤشرات المتعددة توفر صورة متوازنة للوضع، حيث تشير إلى أن التضخم لا يزال تحت المراقبة ولكنه يسير في الاتجاه الصحيح.

هذا التباطؤ لم يقتصر على المقاييس الوطنية فقط. فمن أصل 10 مقاطعات كندية، شهدت ثمانية مقاطعات ارتفاعاً في الأسعار على أساس سنوي في أغسطس مقارنة بيوليو. في مقاطعة نوفا سكوشيا، على سبيل المثال، ساهم ارتفاع أسعار الإيجارات بالإضافة إلى البنزين في التسارع. في المقابل، كانت مقاطعات نيوفاوندلاند ولابرادور وجزيرة الأمير إدوارد هما المقاطعتان الوحيدتان اللتان شهدتا تباطؤاً في التضخم الشهر الماضي، مما يعكس الفوارق الاقتصادية المحلية بين المناطق المختلفة في البلاد.

هل حان وقت خفض الفائدة؟

في الختام، وعلى الرغم من أن معدل التضخم الرئيسي ارتفع قليلاً، فإن الأرقام الأساسية والبيانات الاقتصادية الأوسع نطاقاً، مثل ضعف سوق العمل وتقلص الناتج المحلي الإجمالي، تشير إلى أن خفض سعر الفائدة بات ليس ممكناً فحسب، بل ضرورة لدعم الاقتصاد الكندي. إن الأدلة المتراكمة على تباطؤ الضغوط التضخمية في جوهرها، إلى جانب المؤشرات الاقتصادية الضعيفة، تمنح البنك المركزي الكندي الأساس الذي يحتاجه لاتخاذ قرار جريء ومستقل، يمكن أن يعيد الثقة إلى الأسواق ويعطي دفعة للاقتصاد.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى