انتعاش الدولار الأمريكي: تقلبات السوق وتوقعات الفائدة

شهد سعر صرف الدولار الأمريكي ارتفاعًا طفيفًا اليوم، بعد أن تراجع في الجلسة السابقة، ولكنه لا يزال يتجه نحو تسجيل انخفاض أسبوعي بسيط للمرة الثانية على التوالي. هذا التقلب يعكس حالة من الترقب والحذر في الأسواق المالية، حيث يترقب المستثمرون عن كثب القرارات المحتملة للبنك الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة، والتي ستعتمد بشكل كبير على أحدث البيانات الاقتصادية الأمريكية، لاسيما ما يتعلق بسوق العمل ومعدلات التضخم.
بيانات سوق العمل والتضخم مؤشرات متضاربة
أظهرت البيانات الصادرة يوم الخميس الماضي مفاجأة كبيرة في سوق العمل، حيث سجلت طلبات إعانة البطالة الأسبوعية أكبر زيادة لها منذ أربع سنوات. هذه القفزة المفاجئة في أعداد العاطلين عن العمل أدت إلى تراجع الدولار الأمريكي، حيث اعتبرها المستثمرون إشارة واضحة على ضعف محتمل في ديناميكية سوق العمل التي كانت تعد من أقوى دعائم الاقتصاد الأمريكي. هذا الارتفاع في طلبات الإعانة يثير تساؤلات حول استدامة قوة الاقتصاد، خاصة وأن الفيدرالي يراقب عن كثب مؤشرات سوق العمل كجزء أساسي من تفويضه المزدوج لتحقيق أقصى قدر من التوظيف واستقرار الأسعار.
وفي نفس الوقت، كشفت بيانات تضخم المستهلكين لشهر أغسطس عن ارتفاع الأسعار بأسرع وتيرة منذ سبعة أشهر، إلا أن هذه الزيادات ظلت متواضعة ومتوافقة بشكل عام مع التوقعات. هذا المزيج من البيانات الضعيفة لسوق العمل والقوية نسبيًا للتضخم يضع البنك الاحتياطي الفيدرالي في موقف دقيق ومعقد قبل مداولاته الأسبوع المقبل. حيث سيتعين عليه الموازنة بين هدفين رئيسيين: السيطرة على التضخم ودعم النمو الاقتصادي، فبينما تدعو بيانات سوق العمل إلى تخفيض محتمل للفائدة لتحفيز النمو، فإن بيانات التضخم تشير إلى ضرورة توخي الحذر.
توقعات الفيدرالي وتخفيض مرجح ولكن بحذر
يُعتقد أن الأداء الضعيف لسوق العمل، مع بقاء التضخم عند مستويات مقبولة، يزيد من احتمالية قيام الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة. ومع ذلك، يرى دومينيك باننج، رئيس استراتيجية صرف العملات في “نومورا”، أن التخفيض بمقدار 50 نقطة أساس لا يزال أمراً مستبعداً في الوقت الراهن، موضحًا أن هناك “حاجزًا عاليًا جدًا” أمام مثل هذا القرار الذي قد يبعث برسالة خاطئة عن وجود أزمة اقتصادية وشيكة. في المقابل، تشير تسعيرة العقود الآجلة لصناديق الفيدرالي إلى أن السوق واثق بشكل شبه مؤكد من خفض قدره 25 نقطة أساس في 17 سبتمبر، وهو ما يعكس توافقًا كبيرًا بين توقعات المحللين والمستثمرين.
على الرغم من هذا اليقين النسبي، قلص المتداولون رهاناتهم على مسار تخفيف أكثر حدة للفائدة قبل نهاية العام، وفقًا لأداة “فيد ووتش” التابعة لمجموعة CME. هذا التغيير في التوقعات يعكس إدراكًا متزايدًا بأن الفيدرالي سيسير بحذر شديد، ولن يلجأ إلى تخفيضات كبيرة ومتتالية إلا إذا تدهورت الأوضاع الاقتصادية بشكل أكبر وأكثر وضوحًا. هذا النهج الحذر يهدف إلى تجنب إطلاق دورة من التخفيضات التي قد تؤدي إلى تضخم جامح في المستقبل.
عوامل أخرى تؤثر على سعر الدولار الأمريكي
لم يكن الدولار الأمريكي هو العملة الوحيدة التي شهدت تقلبات، حيث تراجع اليورو بشكل طفيف مقابل الدولار الأمريكي بعدما قلص المتداولون رهاناتهم على خفض آخر للفائدة من قبل البنك المركزي الأوروبي. هذا التراجع يأتي بعد أن أبقى المركزي الأوروبي على سعر الفائدة الرئيسي عند 2% للمرة الثانية على التوالي، مع تصريحات لرئيسة البنك كريستين لاغارد تشير إلى أن الاقتصاد في “وضع جيد” وأن المخاطر أصبحت أكثر توازناً.
كما تراجع الجنيه الإسترليني بعد بيانات أظهرت ركود الاقتصاد البريطاني في يوليو، بينما ارتفع عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات بمقدار أربع نقاط أساس ليصل إلى 4.0433%، بعد أن كان قد انخفض إلى ما دون 4% للمرة الأولى منذ أبريل، مما يعكس تقييمًا متجددًا للمخاطر في السوق. وفي المقابل، ارتفع الدولار الأمريكي مقابل الين الياباني بعد بيان مشترك بين الولايات المتحدة واليابان أكد أن أسعار الصرف يجب أن تحددها قوى السوق وأن التقلبات المفرطة غير مرغوبة، في خطوة تهدف لتهدئة التوترات التجارية ودعم استقرار العملتين.
باختصار، يظل الدولار الأمريكي في حالة من الترقب، حيث تتناقض البيانات الاقتصادية وتختلف توقعات المستثمرين. هذه التفاعلات المعقدة بين بيانات التضخم وسوق العمل وقرارات البنوك المركزية العالمية تجعل الأسواق في حالة من الحذر بانتظار قرار البنك الاحتياطي الفيدرالي الذي سيحدد المسار القادم للعملة الأمريكية والأسواق العالمية.
اقرأ أيضا…