تراجع الدولار الأمريكي بعد صدور بيانات التضخم وضعف سوق العمل

شهد الدولار الأمريكي تراجعا ملحوظا يوم الخميس الماضي، مدفوعا ببيانات اقتصادية متضاربة أثارت حالة من عدم اليقين في الأسواق. فمن جهة، جاءت بيانات التضخم لشهر أغسطس أعلى قليلاً من التوقعات، مما قد يشير إلى استمرار الضغوط على الأسعار. ومن جهة أخرى، سجلت طلبات إعانة البطالة ارتفاعًا مفاجئًا، مما يعكس تباطؤًا محتملاً في سوق العمل. عززت هذه التطورات من التوقعات السائدة بأن الاحتياطي الفيدرالي سيستأنف مسار خفض أسعار الفائدة في اجتماعه المقرر الأسبوع المقبل، مما أثر سلبًا على قيمة الدولار الأمريكي.
وفي خضم التداولات، انخفض الدولار الأمريكي بشكل طفيف مقابل الين الياباني إلى 147.42 ين، بينما ارتفع اليورو بنسبة 0.3% ليصل إلى 1.1731 دولار. ونتيجة لذلك، هبط مؤشر الدولار، الذي يقيس قيمة العملة الخضراء مقابل سلة من ست عملات رئيسية، بنسبة 0.2% إلى 97.62. ويُعزى هذا الهبوط إلى أن احتمالية خفض الفائدة تجعل حيازة الدولار الأمريكي أقل جاذبية للمستثمرين الباحثين عن عوائد أعلى.
مؤشرات اقتصادية متضاربة تضع الاحتياطي الفيدرالي في موقف حرج
أظهرت بيانات وزارة العمل الأمريكية أن أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة ارتفعت بأكثر من المتوقع في أغسطس، حيث سجل مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) زيادة شهرية بنسبة 0.4% بعد أن كان قد ارتفع بنسبة 0.2% في يوليو. وعلى أساس سنوي، بلغ التضخم 2.9% خلال الاثني عشر شهرًا الماضية حتى أغسطس، وهو أكبر ارتفاع منذ يناير، بعد أن كان 2.7% في يوليو. هذه الأرقام، وإن كانت متواضعة، تذكر الأسواق بأن التضخم لا يزال يمثل تحديًا مستمرًا.
وفي المقابل، جاءت بيانات سوق العمل الأمريكية لتشكل مفاجأة سلبية حادة. قفزت طلبات إعانة البطالة الأولية بمقدار 27 ألف طلب لتصل إلى 263 ألفًا للأسبوع المنتهي في 6 سبتمبر. هذا الارتفاع فاق بكثير توقعات الاقتصاديين الذين استطلعت رويترز آراءهم، والذين كانوا يتوقعون 235 ألف طلب فقط. ويعتبر هذا الارتفاع الكبير في الطلبات إشارة قوية على أن وتيرة تسريح العمال تتسارع، مما يثير مخاوف بشأن صحة الاقتصاد الأوسع نطاقًا.
تركيز الاحتياطي الفيدرالي على التوظيف يرجح كفة خفض الفائدة
تعكس هذه الديناميكية المتناقضة تركيز الاحتياطي الفيدرالي على التوازن بين أهداف “الحد الأقصى للتوظيف” و”استقرار الأسعار”، وهو ما يُعرف بـ”التفويض المزدوج”. وفي هذا السياق، علق جوش جامنر، محلل استراتيجية الاستثمار في ClearBridge Investments، قائلاً: “لأول مرة منذ فترة طويلة، طغت بيانات أخرى على مؤشر أسعار المستهلكين في يوم صدوره”.
وأشار جامنر إلى أن الارتفاع الكبير في طلبات إعانة البطالة إلى أعلى مستوى لها في أربع سنوات ساهم في دفع عائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى ما دون 4% لفترة وجيزة، على الرغم من الارتفاع الأكبر من المتوقع في مؤشر أسعار المستهلكين. وأضاف: “هذه الديناميكية توضح تركيز الاحتياطي الفيدرالي على هدف ‘الحد الأقصى للتوظيف’ من تفويضه المزدوج، حيث نرى أن بيانات التضخم اليوم ليست قوية بما يكفي لإفشال خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية الأسبوع المقبل”.
يأتي هذا الاهتمام المتزايد بسوق العمل بعد صدور تقريرين سلبيين للوظائف في الولايات المتحدة خلال الأيام القليلة الماضية، حيث أظهرت بيانات الوظائف غير الزراعية في أغسطس خلق 22 ألف وظيفة فقط مقارنة بتوقعات بلغت 75 ألف وظيفة. بالإضافة إلى ذلك، تم تعديل أعداد الوظائف بأثر رجعي للفترة من أبريل 2024 إلى مارس 2025 بانخفاض قدره 911 ألف وظيفة، مما يعزز فكرة وجود تباطؤ كبير في سوق العمل ويقدم دعمًا قويًا لمبررات خفض الفائدة.
التوقعات المستقبلية للدولار الأمريكي
بعد صدور البيانات الأخيرة، تسعر عقود الفائدة على الأموال الفيدرالية الآن فرصة 91% لخفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس هذا الشهر، و9% لخفض بمقدار 50 نقطة أساس، وفقًا لأداة “فيد ووتش” التابعة لبورصة شيكاغو التجارية (CME). وتُعرف نقطة الأساس بأنها جزء من المئة من النسبة المئوية (0.01%)، مما يعني أن خفض 25 نقطة أساس يعادل 0.25%. هذه التوقعات لم تتغير عن مستوياتها في وقت متأخر من يوم الأربعاء، مما يؤكد أن الأسواق قد استوعبت بالفعل هذه البيانات ورجحت كفة خفض الفائدة.
وفي أزواج العملات الأخرى، انخفض الدولار الأمريكي بنسبة 0.3% مقابل الفرنك السويسري إلى 0.7966، بينما ارتفع الجنيه الاسترليني بنسبة 0.2% إلى 1.3552 دولار. وتستمر العملات الرئيسية في التفاعل مع التوقعات المتعلقة بالسياسات النقدية لبنوكها المركزية.
وفي الختام، تبقى الأنظار متجهة نحو قرار الاحتياطي الفيدرالي المقبل، والذي من المرجح أن يؤكد المسار المستقبلي للسياسة النقدية وتأثيرها المباشر على قيمة الدولار الأمريكي في الأسواق العالمية. ستكون رسالة الاحتياطي الفيدرالي، سواء كانت مصحوبة بتوقعات حذرة أو متفائلة، هي العامل الأبرز الذي سيحدد حركة الدولار الأمريكي في الأيام والأسابيع القادمة.
اقرأ أيضا…