أسعار الذهب تحوم قرب أعلى مستوياتها التاريخية

تواصل أسعار الذهب تحليقها قرب مستويات قياسية، مدفوعة بآمال متزايدة في خفض وشيك لأسعار الفائدة الأمريكية. يتطلع المشاركون في السوق الآن إلى بيانات التضخم الأمريكية المقبلة للحصول على إشارات واضحة حول مسار السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي، والتي ستحدد إلى حد كبير الاتجاه المستقبلي للمعدن الأصفر.
الذهب يستفيد من التوقعات بخفض الفائدة الأمريكية
شهد سعر الذهب الفوري ارتفاعاً بنسبة 0.5% ليصل إلى 3,643.78 دولاراً للأوقية، بعد أن سجل أعلى مستوى تاريخي له عند 3,673.95 دولاراً يوم الثلاثاء. ويأتي هذا الارتفاع مدعوماً بتوقعات قوية بخفض أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، وهو ما يضعف الدولار الأمريكي ويزيد من جاذبية الذهب الذي لا يدر عائداً. ففي بيئة أسعار الفائدة المرتفعة، يفضل المستثمرون عادة الأصول ذات العائد مثل السندات، بينما في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة أو المتوقعة للانخفاض، يقلل انخفاض تكلفة الفرصة البديلة من حيازة الذهب ويجعله أكثر جاذبية كمخزن للقيمة.
ووفقاً لرياردو إيفانجيليستا، كبير المحللين في ActivTrades، فإن مكاسب الذهب تأتي على خلفية توقعات خفض الفائدة الفيدرالية، مدعومة بإشارات على تباطؤ سوق العمل الأمريكية. وقد أظهرت بيانات التوظيف غير الزراعي الأسبوع الماضي تدهوراً واضحاً في ظروف سوق العمل، مما يعزز مبررات خفض الفائدة في اجتماع السياسة النقدية لشهر سبتمبر، حيث غالباً ما يلجأ البنك المركزي إلى سياسات نقدية تيسيرية لتحفيز الاقتصاد في مواجهة ضعف سوق العمل.
الذهب ملاذ آمن في ظل عدم اليقين الاقتصادي
أكدت الحكومة الأمريكية مؤخراً أن الاقتصاد الأمريكي قد يكون قد خلق 911 ألف وظيفة أقل في الاثني عشر شهراً الماضية حتى مارس، مما يشير إلى أن نمو الوظائف كان يتباطأ بالفعل قبل فترة طويلة من فرض التعريفات الجمركية العدوانية التي أعلنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ويرى المحلل المستقل روس نورمان أن هذه المراجعات الضخمة لأرقام الوظائف تضيف بالتأكيد إلى الشعور السائد بعدم اليقين الاقتصادي، وهو ما يؤكد دور الذهب كملاذ آمن في أوقات الاضطراب. هذا النوع من البيانات المفاجئة والمقلقة يغذي مخاوف المستثمرين بشأن صحة الاقتصاد، ويدفعهم نحو أصول تعتبر آمنة وموثوقة تاريخياً.
ويضع المستثمرون حالياً احتمالية 92% لخفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع سبتمبر، بينما تبلغ احتمالية خفض أكبر بمقدار 50 نقطة أساس حوالي 8%، وفقاً لأداة FedWatch التابعة لمجموعة CME. وتعكس هذه الأرقام مستوى الثقة المرتفع في أن البنك الفيدرالي سيتخذ إجراءً استباقياً لدعم النمو الاقتصادي في مواجهة البيانات الضعيفة.
نظرة مستقبلية لأسعار الذهب: عوامل متعددة تدعم المسيرة الصعودية
من المتوقع أن يراقب السوق عن كثب بيانات تضخم أسعار المنتجين الأمريكية، المقرر صدورها اليوم، وبيانات تضخم أسعار المستهلكين غداً الخميس، للحصول على مزيد من المؤشرات حول مسار أسعار الفائدة. حيث يعتبر التضخم عاملاً رئيسياً في قرارات البنك المركزي، وسوف تحدد البيانات الجديدة ما إذا كان هناك مجال لمزيد من التيسير النقدي.
وتاريخياً، يميل الذهب، الذي لا يدر عائداً، إلى الأداء الجيد في بيئة أسعار فائدة منخفضة. وقد ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 38% حتى الآن هذا العام، بعد قفزة بنسبة 27% في عام 2024، مدعومة بعدة عوامل أساسية قوية. من بين هذه العوامل، ضعف الدولار الذي يجعل الذهب أرخص لحاملي العملات الأخرى، وتراكم البنوك المركزية للمعدن النفيس لتنويع احتياطياتها بعيداً عن العملات الرئيسية، والسياسات النقدية المتساهلة على مستوى العالم، وزيادة حالة عدم اليقين الجيوسياسي والاقتصادي التي تشجع على اللجوء إلى الأصول الآمنة.
وفي تحليل صدر اليوم، رفعت مجموعة ANZ توقعاتها لسعر الذهب في نهاية العام إلى 3,800 دولار للأوقية، وتتوقع أن يبلغ السعر ذروته قرب 4,000 دولار بحلول يونيو من العام المقبل. تعزز هذه التوقعات الإيجابية من قبل البنوك الاستثمارية الكبرى ثقة السوق في استمرارية المسار الصعودي للذهب.
المعادن الثمينة الأخرى تشارك في الصعود
لم تكن أسعار الذهب وحدها هي المستفيدة من هذا الزخم الإيجابي، فقد ارتفعت أسعار المعادن الثمينة الأخرى أيضاً، مما يؤكد وجود اتجاه صعودي أوسع نطاقاً في هذا القطاع. غالباً ما تتحرك هذه المعادن، مثل الفضة والبلاتين والبلاديوم، بشكل متزامن مع الذهب، وذلك لتشابهها في بعض الخصائص كملاذات آمنة وأدوات للتحوط ضد التضخم وتقلبات العملات. أضاف الفضة الفوري 0.4% ليصل إلى 41.06 دولاراً للأوقية، بينما ارتفع البلاتين بنسبة 0.2% إلى 1,387.45 دولاراً، والبلاديوم بنسبة 0.2% ليصل إلى 1,1450.73 دولاراً.
وفي حين أن هذه المعادن تمتلك أيضاً تطبيقات صناعية مهمة -حيث يستخدم البلاتين والبلاديوم في محولات السيارات الحفازة والفضة في الإلكترونيات- فإن صعودها الأخير يعكس بشكل أساسي حالة عدم اليقين الاقتصادية التي تدفع المستثمرين نحو الأصول الصلبة. هذا الأداء المتناسق يعزز الثقة في أن العوامل الأساسية التي تدعم الذهب قوية بما يكفي لدفع قطاع المعادن الثمينة بالكامل نحو مسار نمو مستدام.
اقرأ أيضا…