لماذا ارتفعت أسعار النفط بعد قرار أوبك+ بزيادة الإنتاج؟

شهدت أسعار النفط ارتفاعاً ملحوظاً يوم الاثنين، لتستعيد جزءاً من خسائرها التي تكبدتها الأسبوع الماضي. جاء هذا الارتفاع بعد أن اعتبرت الأسواق زيادة الإنتاج التي أقرتها مجموعة “أوبك+” متواضعة، بالإضافة إلى المخاوف المتزايدة بشأن فرض عقوبات جديدة محتملة على النفط الروسي. هذا التحول يعكس حساسية سوق الطاقة للتوازنات المعقدة بين العرض والطلب، والاضطرابات الجيوسياسية.
قرار “أوبك+” يثير رد فعل السوق غير المتوقع
في تطور لافت، اتفقت مجموعة “أوبك+”، التي تضم منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) وحلفاءها، على زيادة إنتاج النفط اعتباراً من شهر أكتوبر. على الرغم من أن الزيادة في الإنتاج عادة ما تضغط على أسعار النفط، إلا أن رد فعل السوق كان معاكساً تماماً. يعود السبب إلى أن حجم هذه الزيادة، والذي بلغ 137 ألف برميل يومياً، كان أقل بكثير مما توقعه بعض المحللين، خاصة بعد الإشارات المبكرة التي أشارت إلى إمكانية زيادة أكبر.
هذا التباين بين التوقعات والقرار الفعلي أدى إلى ما يصفه أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في ساكسو بنك، بأنه “رد فعل كلاسيكي: بيع على الشائعة، وشراء على الحقيقة”. فبينما كانت التوقعات المتفائلة بشأن زيادة كبيرة قد دفعت الأسواق إلى البيع في الأيام السابقة، عاد المستثمرون للشراء بعد أن تبين أن الزيادة الفعلية لا تشكل تهديداً كبيراً للإمدادات.
تاريخياً، قامت “أوبك+” بزيادات أكبر في الأشهر السابقة، حيث رفعت الإنتاج بحوالي 555 ألف برميل يومياً في أغسطس وسبتمبر، و411 ألف برميل يومياً في يونيو ويوليو. هذا التباطؤ الحاد في وتيرة الزيادات يوحي بأن المجموعة تتبنى نهجاً حذراً، وربما تكون واعية للتوقعات بحدوث فائض في المعروض خلال أشهر الشتاء في نصف الكرة الشمالي. يتوقع المحللون أن يكون تأثير هذه الزيادة الأخيرة محدوداً، لأن بعض الأعضاء كانوا بالفعل ينتجون بكميات تفوق حصصهم المحددة، مما يعني أن زيادة الإنتاج الرسمية قد تتضمن بالفعل براميل موجودة في السوق.
العقوبات المحتملة على النفط الروسي تدعم أسعار النفط
بالإضافة إلى قرار “أوبك+”، تلقت أسعار النفط دعماً إضافياً من التوقعات المتزايدة بفرض عقوبات أمريكية جديدة على روسيا. صرح الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب باستعداده للتحرك نحو “مرحلة ثانية” من العقوبات ضد روسيا. هذا التهديد أثار موجة من المخاوف في السوق، حيث يمكن أن تؤدي هذه العقوبات إلى تعطيل محتمل لإمدادات النفط العالمية في وقت حساس.
إن أي عقوبات جديدة تستهدف المشترين للنفط الروسي يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات في تدفقات الخام، وهو ما أكده فريدريك لاسير، رئيس الأبحاث والتحليل العالمي في شركة “جنفور” لتجارة الطاقة. تتزامن هذه التهديدات مع تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة، مثل الهجمات الجوية الروسية على المدن الأوكرانية، مما يضيف طبقة جديدة من عدم اليقين إلى سوق النفط. هذه العوامل الجيوسياسية تذكر المستثمرين بأن أسعار النفط ليست مجرد مسألة عرض وطلب، بل تتأثر بشكل كبير بالأحداث العالمية التي لا يمكن التنبؤ بها.
نظرة على الأرقام وتوقعات المستقبل وسط تقلبات السوق
لم تكن عودة الارتفاع في أسعار النفط حدثاً معزولاً. فقد جاءت بعد أسبوع من الخسائر الكبيرة، حيث انخفض كل من خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط بأكثر من 2% يوم الجمعة الماضي. وكان هذا الانخفاض الأولي مدفوعاً بتقرير وظائف أمريكي ضعيف، والذي أثار مخاوف بشأن تباطؤ الاقتصاد الأمريكي واحتمال تراجع الطلب على الطاقة. ولكن يبدو أن السوق عاد للتركيز على عوامل العرض، مما دفع الأسعار للارتفاع مرة أخرى.
على المدى المتوسط، يتوقع بنك جولدمان ساكس حدوث فائض طفيف في المعروض النفطي في عام 2026. هذا التوقع مبني على فرضية أن ترقيات الإمدادات في الأمريكتين ستفوق الانخفاض المتوقع في الإمدادات الروسية والزيادة في الطلب العالمي. ورغم ذلك، ترك البنك توقعاته لأسعار عام 2025 دون تغيير، مما يشير إلى أن حالة عدم الاستقرار الحالية في السوق قد تستمر لفترة. هذه التوقعات تعكس الحالة المعقدة لسوق النفط، حيث تتأرجح الأسعار بين مخاوف العرض والطلب والتحركات الجيوسياسية التي تزيد من التقلبات.
في الختام، يبدو أن أسعار النفط تتأثر بشكل متزايد ليس فقط بقرارات المنتجين، بل أيضاً بالتحركات الجيوسياسية العالمية والتقارير الاقتصادية. بينما كان قرار “أوبك+” متواضعاً، إلا أنه كان كافياً لإعادة الثقة في السوق. ومع ذلك، فإن التهديدات الجيوسياسية المستمرة تلقي بظلالها على المستقبل القريب وتجعل من الصعب التنبؤ بالاتجاهات المستقبلية بشكل قاطع.
اقرأ أيضا…