أخبار الأسواقأخبار الدولار الأمريكيفوركس

توقعات خفض الفائدة الأمريكية ومخاوف استقلالية الفيدرالي تبقي الدولار الأمريكي تحت الضغط

لطالما كان الدولار الأمريكي حجر الزاوية في النظام المالي العالمي ورمزاً للقوة والاستقرار الاقتصادي. على مدى عقود، كان المستثمرون والمؤسسات حول العالم يتجهون إلى العملة الخضراء كملاذ آمن في أوقات الأزمات. لكن في الآونة الأخيرة، بدأت تلوح في الأفق علامات استفهام حول مستقبل هذه الهيمنة، فبعد سنوات من القوة، يواجه الدولار الأمريكي ضغوطاً متزايدة قد تدفع به إلى مزيد من الانخفاض. فما هي العوامل التي تقف وراء هذه التراجعات؟ وكيف يؤثر ذلك على الاقتصاد العالمي بأسره؟

سياسات الاحتياطي الفيدرالي ودورة خفض الفائدة

تُظهر دراسة حديثة أجرتها وكالة “رويترز” بين خبراء استراتيجيات العملات الأجنبية أن الدولار الأمريكي سيستمر في التراجع خلال الأشهر القادمة، وهو ما يعكس تحولاً كبيراً في توقعات السوق. ويعود السبب الرئيسي لهذا التوقع إلى حالة عدم اليقين بشأن السياسات المستقبلية للاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي)، وتحديداً عدد مرات خفض الفائدة التي قد يقدم عليها في الفترة المقبلة. فخفض أسعار الفائدة يجعل العملة أقل جاذبية للمستثمرين الأجانب الباحثين عن عوائد مرتفعة على سنداتهم، مما يقلل من الطلب على الدولار الأمريكي.

منذ نهاية مارس الماضي، هيمنت المراهنات على انخفاض الدولار الأمريكي على أسواق العملات الأجنبية، وفقاً لبيانات لجنة تداول السلع الآجلة. وقد أدى هذا التحول إلى انخفاض العملة الخضراء بنحو 10% مقابل سلة من العملات الرئيسية هذا العام، ما جعله الأسوأ أداءً بينها. وتتوقع أسواق العقود الآجلة لأسعار الفائدة أن يقوم الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة مرتين هذا العام، وربما مرة أخرى في أوائل عام 2026. هذا التوقع يغذي الاتجاه الهبوطي للدولار الأمريكي ويجعل المستثمرين أكثر ميلاً إلى بيعه.

عوامل إضافية تضغط على العملة الخضراء

بالإضافة إلى سياسات الاحتياطي الفيدرالي، هناك عدة عوامل أخرى ساهمت في تراجع حظوظ الدولار الأمريكي بعد سنوات من القوة. وتشمل هذه العوامل مجموعة من التحديات الاقتصادية والسياسية التي أدت إلى تقويض الثقة في مساره المستقبلي.

  • مخاوف التضخم: التأثير التضخمي الناجم عن التعريفات الجمركية الضخمة وقانون التخفيضات الضريبية والإنفاق يثير قلق الأسواق. فالتضخم المرتفع قد يجبر الاحتياطي الفيدرالي على إعادة التفكير في خفض الفائدة، مما يزيد من التقلبات.
  • التدخل السياسي: المحاولات المتكررة من قبل البيت الأبيض للتدخل في عمل البنك المركزي الأكثر تأثيراً في العالم تثير الشكوك حول استقلاليته. وقد أدت هذه الضغوط، مثل الدعوات المستمرة لخفض أسعار الفائدة، إلى إضعاف مصداقية المؤسسة التي يجب أن تعمل بشكل مستقل عن التأثيرات السياسية.

يُشير بول ماكيل، رئيس أبحاث العملات الأجنبية في بنك HSBC، إلى أن الدولار الأمريكي سيواجه ضغوطاً للانخفاض حتى نهاية العام، وذلك بسبب عاملين رئيسيين: استئناف دورة خفض الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، وتساؤلات السوق المستمرة حول استقلالية البنك.

الاستقلالية السياسية والمخاطر التي تواجه الدولار

تُعد استقلالية الاحتياطي الفيدرالي حجر الزاوية في الحفاظ على استقرار النظام المالي. لكن الضغوط المتزايدة من قبل الرئاسة الأمريكية على رئيس البنك، جيروم باول، لخفض أسعار الفائدة إلى 1%، بالإضافة إلى محاولات إقالة حاكمة البنك، ليزا كوك، بسبب مزاعم احتيال في الرهن العقاري، أثارت جدلاً واسعاً. وقد اختبرت هذه الإجراءات حدود السلطة الرئاسية، مما زاد من مخاوف المستثمرين بشأن مستقبل الدولار الأمريكي.

كذلك، فإن ترشيح ستيفن ميران، أحد أعضاء مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس السابق، والذي دعا إلى خفض أسعار الفائدة بشكل حاد وجادل بأن التعريفات الجمركية ليس لها تأثير كبير على التضخم، أضاف طبقة أخرى من القلق. وقد اقترح ميران إصلاحات في حوكمة الاحتياطي الفيدرالي من شأنها أن تمنح الرئيس سيطرة أكبر، بما في ذلك سلطة عزل قيادته حسب الرغبة. هذه المخاوف لا تؤثر فقط على قرارات السياسة النقدية، بل تهدد الثقة الأساسية التي يعتمد عليها الدولار الأمريكي كعملة احتياطي عالمية.

توقعات الخبراء وتأثيرها على الأسواق

أظهر استطلاع أجرته رويترز أن ما يقرب من 80% من المشاركين، أي 39 من أصل 50 خبيراً، يتوقعون أن تزيد المراهنات على انخفاض الدولار الأمريكي أو تبقى عند مستوياتها الحالية. ويرى الخبراء أن هذا التوجه قد يشكل خطراً في حال حدوث أي مفاجآت تضخمية في الولايات المتحدة، مما قد يؤدي إلى انتعاش قصير للدولار الأمريكي. وفي هذا الصدد، قالت جين فولي، رئيسة استراتيجية العملات الأجنبية في بنك رابوبنك، إن “الخطر الأكبر يكمن في حقيقة أن الجميع يعتقد أن الدولار الأمريكي من المرجح أن يضعف، مما يعني أن المراهنات تتجه في اتجاه واحد. هذا العامل قد يجعلنا أكثر حذراً”.

في الوقت نفسه، يتوقع خبراء استراتيجيات العملات الأجنبية في استطلاعات رويترز، الذين نجحوا في التنبؤ بانخفاض الدولار الأمريكي هذا العام، أن يرتفع اليورو بشكل مطرد، ليصل إلى 1.18 دولار و1.19 دولار في ثلاثة وستة أشهر على التوالي. وكان من المتوقع أن يصل إلى 1.20 دولار خلال عام واحد، وهو أعلى متوسط ​​مسجل في استطلاع منذ سبتمبر 2021. هذا الارتفاع المتوقع في قيمة اليورو يعكس الثقة المتزايدة في العملات الأخرى مقابل تراجع ثقة المستثمرين في العملة الخضراء.

ختاما يواجه الدولار الأمريكي فترة صعبة مليئة بالتحديات، تتأثر بعوامل داخلية مثل سياسات الاحتياطي الفيدرالي والتدخلات السياسية، وعوامل خارجية مثل توقعات السوق التي تزيد من المراهنات على انخفاضه. ورغم أن هذه الضغوط قد تستمر في المدى القريب، إلا أن الخبراء يحذرون من أن المراهنات المتزايدة على انخفاضه قد تجعل السوق عرضة للتغيرات السريعة. يبقى مستقبل الدولار الأمريكي رهناً بقدرة الاحتياطي الفيدرالي على استعادة استقلاليته والحفاظ على استقرار الاقتصاد في ظل التحديات المحلية والعالمية.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى