أخبار الأسواقاخبار اقتصاديةأخبار الدولار الأمريكي

النشاط الصناعي الأمريكي يسجل تراجع مستمر في ظل سياسة التعريفات الجمركية

يواجه النشاط الصناعي الأمريكي تحديات متزايدة، حيث سجل انكماشاً للشهر السادس على التوالي، وهو ما يؤكد على المصاعب التي يواجهها قطاع التصنيع في الولايات المتحدة. وفقاً لمؤشر معهد إدارة التوريد (ISM) للتصنيع، فقد وصل المؤشر إلى 48.7 نقطة في أغسطس، وهو تحسن طفيف مقارنة بـ 48 نقطة في يوليو، ولكنه لا يزال دون مستوى 50، الذي يمثل خط التوسع. هذا المؤشر، الذي يعتبر أحد أهم المؤشرات على صحة القطاع الصناعي، يعكس حالة من الركود الفعلي، حيث أن أي قراءة دون 50 تشير إلى انكماش في النشاط الاقتصادي.

هذا الانكماش المستمر يعكس حالة القلق السائدة بين المصنعين، والتي تعود بشكل رئيسي إلى عدم اليقين بشأن سياسة التجارة الأمريكية وارتفاع تكاليف المدخلات. ورغم أن استراتيجية التعريفات الجمركية التي تبنتها الإدارة الحالية كانت تهدف إلى تعزيز الإنتاج المحلي وحماية الوظائف الأمريكية من المنافسة الأجنبية، إلا أن نتائجها تبدو معاكسة للهدف، حيث أصبحت عائقاً أمام عمليات المصانع وتسببت في اضطرابات واسعة النطاق لسلاسل التوريد. يشتكي المصنعون من أن هذه التعريفات ترفع أسعار المواد الخام المستوردة، مما يقلل من هوامش الربح ويجعلهم أقل قدرة على المنافسة في الأسواق العالمية.

إشارات متضاربة: أمل في الأفق أم استمرار للتحديات؟

البيانات الأخيرة تقدم صورة معقدة ومتباينة. فمن جهة، سجلت الطلبات الجديدة توسعاً للمرة الأولى منذ بداية العام، حيث ارتفعت إلى 51.4 نقطة، وهو ما يمثل أكبر زيادة شهرية منذ بداية عام 2024. هذا التطور بعث بصيص أمل للمصنعين بعد أشهر من الانكماش المستدام، حيث يشير إلى أن الطلب قد بدأ في الانتعاش، ولو بشكل تدريجي. يمكن أن يكون هذا الارتفاع مؤشراً على أن المستهلكين والشركات قد بدأوا في التكيف مع الظروف الاقتصادية الجديدة، مما قد يمهد الطريق لتعافٍ مستقبلي.

لكن من جهة أخرى، شهد الإنتاج انخفاضاً حاداً، حيث تراجع إلى 47.8 نقطة، ليعود إلى منطقة الانكماش للمرة الأولى منذ ثلاثة أشهر. هذا الانخفاض في الإنتاج يشير إلى أن المصانع لا تزال حذرة في زيادة مستويات الإنتاج، ربما بسبب تراكم المخزون أو التوقعات المتحفظة للطلب المستقبلي. كما بقي التوظيف ضعيفاً بشكل عميق عند 43.8 نقطة، مما يشير إلى استمرار تركيز الشركات على تخفيض عدد الموظفين بسبب عدم اليقين في الطلب على المدى القريب والمتوسط. ووفقاً لرئيسة معهد إدارة التوريد، سوزان سبنس، فإن “مقابل كل تعليق عن التوظيف، كان هناك أربعة تعليقات عن خفض عدد الموظفين، حيث استمرت الشركات في التركيز على تسريع تخفيض أعداد الموظفين بسبب عدم اليقين في الطلب على المدى القريب والمتوسط”.

وتجدر الإشارة إلى أن هناك بيانات أخرى متناقضة، حيث أظهر مؤشر مديري المشتريات (PMI) لشركة S&P Global صورة أكثر تفاؤلاً، مسجلاً ارتفاعاً إلى 53.0 في أغسطس، مما يشير إلى أقوى تحسن في ظروف التشغيل منذ مايو 2022. هذا التناقض بين المؤشرين، ISM وS&P Global، يبرز التباين في تجارب مختلف شرائح قطاع التصنيع، حيث قد تكون بعض الشركات الأكبر والأكثر تنوعاً قادرة على التغلب على التحديات بشكل أفضل من الشركات الصغيرة.

تداعيات سياسة التجارة على الثقة والأسعار

أعرب المسؤولون التنفيذيون في قطاع التصنيع عن قلقهم البالغ بشأن تأثير السياسات التجارية على أعمالهم. فقد اضطرت إحدى الشركات في قطاع المعدات الكهربائية إلى رفع الأسعار بنسبة 24% لمواجهة تكاليف التعريفات الجمركية، وقامت بتسريح 15% من قوتها العاملة في الولايات المتحدة. وأشار مسؤول تنفيذي من هذه الشركة إلى أن “الإدارة تريد وظائف تصنيع في الولايات المتحدة، لكننا نخسر وظائف ذات مهارات أعلى وأجور أفضل” ، وهو ما يسلط الضوء على المفارقة بين الأهداف المعلنة للسياسة وتداعياتها الفعلية على أرض الواقع.

ويصف مسؤول تنفيذي آخر في مجال معدات النقل الأوضاع الحالية بأنها “أسوأ بكثير من الركود الكبير في 2008-2009″، ويعزو هذا التراجع بالكامل إلى “سياسة التعريفات الحالية وحالة عدم اليقين التي أحدثتها”. هذا الوصف القاسي يعكس مدى الضغط الذي يشعر به المصنعون، خاصة وأن التحديات التي يواجهونها ليست ناتجة عن أزمة مالية عالمية، بل عن سياسة حكومية محلية. وبحسب معهد إدارة التوريد، فإن 69% من الناتج المحلي الإجمالي للتصنيع لا يزال في حالة انكماش، و4% منها في حالة انكماش حاد، مما يوضح أن الغالبية العظمى من القطاع تتأثر سلباً بالظروف الحالية.

يضاف إلى ذلك أن أسعار المدخلات بقيت مرتفعة عند 63.7 نقطة، رغم انخفاضها الطفيف عن 64.8 نقطة في يوليو، مما يزيد الضغط على المصنعين. هذا الارتفاع في التكاليف، الناتج عن سياسة التعريفات الجمركية، أجبر الشركات على تأجيل خطط الإنفاق الرأسمالي وتجميد التوظيف، حيث أصبح تركيز العديد منها ينصب ببساطة على “البقاء”. وتؤكد هذه التحديات على أن قطاع التصنيع الأمريكي بحاجة إلى بيئة أكثر استقراراً ووضوحاً لكي يتمكن من استعادة زخمه وتحقيق النمو المستدام.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى