أسعار النفط ترتفع الأخير وسط التوترات العالمية ومخاوف الإمدادات

شهدت أسعار النفط ارتفاعاً ملحوظاً يوم الثلاثاء، في ظل تصاعد المخاوف بشأن استمرارية الإمدادات العالمية نتيجة للتوترات المتزايدة بين روسيا وأوكرانيا. ويترقب السوق في الوقت ذاته صدور بيانات الوظائف الأمريكية التي قد تؤثر على قرارات أسعار الفائدة المستقبلية، مما يضع السوق تحت ضغط مزدوج ويضيف طبقة جديدة من التعقيد على حركة الأسعار التي تؤثر بشكل مباشر على استقرار الاقتصاد العالمي. يعكس هذا الوضع حالة من التوازن الهش، حيث تتجاذب أسواق الطاقة بين المخاطر الجيوسياسية الفورية والمؤشرات الاقتصادية الكلية طويلة الأجل.
العوامل الرئيسية وراء ارتفاع أسعار النفط
ارتفع سعر خام برنت القياسي، الذي يُعتبر مؤشراً لأسعار النفط العالمية ويؤثر على ثلثي النفط المتداول دولياً، بمقدار 1.12 دولار، أو ما يعادل 1.6%، ليصل إلى 69.27 دولار للبرميل. في غضون ذلك، سجل خام غرب تكساس الأمريكي (WTI)، وهو الخام المرجعي في أمريكا الشمالية ويُستخدم لتسعير النفط المنتج محلياً، ارتفاعا أقوى بلغ 1.77 دولار، أو 2.77%، ليستقر عند 65.78 دولار للبرميل.
يعود هذا التباين جزئيا إلى عدم تسوية العقود الآجلة لخام غرب تكساس يوم الاثنين بسبب عطلة عيد العمال في الولايات المتحدة، مما أدى إلى تراكم ضغوط الشراء في جلسة الثلاثاء لتعويض غياب التداول، حيث سارع المستثمرون إلى تعديل مراكزهم استجابة للتطورات الجيوسياسية خلال عطلة نهاية الأسبوع الطويلة.
تأثير التوترات الجيوسياسية على الإمدادات
تُعد الهجمات الأوكرانية الأخيرة بالطائرات بدون طيار على منشآت نفطية روسية من أبرز العوامل التي تدعم أسعار النفط حالياً. ووفقاً لحسابات وكالة رويترز، أدت هذه الهجمات إلى توقف ما لا يقل عن 17% من إجمالي طاقة التكرير الروسية، وهو ما يعادل 1.1 مليون برميل يوميا.
هذا التعطيل الكبير في أحد أكبر مصدري النفط في العالم لا يؤثر فقط على إمدادات النفط الخام، بل يخلق نقصاً في المنتجات المكررة مثل الديزل والبنزين. إن تداعيات هذا النقص تتجاوز روسيا لتصل إلى الأسواق العالمية، مما يثير قلقاً حقيقياً بشأن شح الإمدادات ويدفع التجار إلى إضافة ما يُعرف بـ “علاوة المخاطرة” (Risk Premium) إلى الأسعار، تحسباً لأي تصعيد مستقبلي قد يهدد الإمدادات بشكل أكبر.
توقعات المخزونات الأمريكية ونهاية موسم القيادة
صرح جيوفاني ستونوفو، المحلل في بنك UBS، بأن توقعات السوق بحدوث سحب آخر من مخزونات النفط الخام الأمريكية تساهم في دعم الأسعار. وبالرغم من انتهاء موسم الصيف للقيادة في الولايات المتحدة، الذي بلغ ذروته مع عطلة عيد العمال، وهو ما يشير تقليدياً إلى تراجع الطلب على البنزين في أكبر سوق للوقود في العالم، إلا أن مخاوف العرض تفوقت على هذا العامل.
علاوة على ذلك، يستمر الطلب على وقود الطائرات قوياً مع استمرار تعافي قطاع السفر العالمي، كما أن الطلب على الديزل يظل مرتفعاً لدعم قطاعات الشحن والصناعة، مما يبقي السحب من المخزونات عند مستويات مرتفعة ويشير إلى أن الطلب الكلي على الطاقة لا يزال قوياً.
ترقب قرارات “أوبك+” والسياسة النقدية الأمريكية
يتجه المستثمرون بأنظارهم الآن نحو اجتماع منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفائها، المعروفة باسم “أوبك+”، المقرر عقده في 7 سبتمبر. يأمل السوق في الحصول على مؤشرات حول خطط الإنتاج المستقبلية للمجموعة، والتي تعمل كقوة موازنة في السوق تهدف إلى تحقيق التوازن الدقيق بين العرض والطلب.
يعتقد المحللون أن التحالف سيُبقي على التخفيضات الطوعية الحالية البالغة حوالي 1.65 مليون برميل يومياً، والتي يطبقها ثمانية من أعضائه. وقد نجحت هذه السياسة حتى الآن في دعم السوق وإبقاء أسعار النفط ضمن نطاق 60 دولاراً للبرميل، وهو مستوى يعتبره الكثيرون مستداماً لكل من المنتجين والمستهلكين، حيث يضمن إيرادات كافية للدول المنتجة دون أن يثقل كاهل الاقتصادات المستهلكة بتكاليف طاقة باهظة.
من ناحية أخرى، توقع محللو السلع في بنك SEB أن أسعار النفط قد تتجه نحو الانخفاض للعام الرابع على التوالي، لتصل إلى متوسط 55 دولاراً للبرميل في الربع الأخير من العام الحالي. يستند هذا التوقع إلى مخاوف من تباطؤ اقتصادي عالمي محتمل، قبل أن يتدخل تحالف “أوبك+” مجدداً لتحقيق الاستقرار في السوق حتى عام 2026 عبر خفض الإنتاج حسب الحاجة.
على الصعيد الاقتصادي العالمي، من المقرر صدور مجموعة من بيانات سوق العمل الأمريكية هذا الأسبوع قبل اجتماع مجلس الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر. وقد تعزز هذه البيانات احتمالية تخفيف السياسة النقدية، خاصة بعد صدور بيانات ضعيفة بشكل مفاجئ للوظائف غير الزراعية في يوليو الماضي. إن أي تلميح لخفض أسعار الفائدة يمكن أن يضعف الدولار الأمريكي. وحيث أن النفط مسعر بالدولار، فإن انخفاض قيمته يجعله أرخص للمشترين الذين يستخدمون عملات أخرى، وهو ما قد يحفز الطلب العالمي على نحو فعال.
اقرأ أيضا…