تراجع أسعار البيتكوين: حيتان البيع وعدم اليقين الفيدرالي يهزان السوق

هوت أسعار البيتكوين يوم الخميس إلى ما يقارب 108,000 دولار، مسجلة أدنى مستوى لها منذ ما يقرب من شهرين، بعد أن كانت قد بلغت ذروة تاريخية عند 124,291 دولاراً في 13 أغسطس. قبل ان يعوض بعض من خسائره مع افتتاح الأسواق اليوم الأثنين ويرتفع بما يقارب 1% عند مستوى 109,203 دولار هذا الانخفاض السريع، الذي يمثل تراجعاً بنحو 12% عن أعلى قمة لها، يُعد أشد موجة هبوط منذ أوائل يوليو، مما أدى إلى محو جزء كبير من المكاسب الأخيرة.
وقد تسارعت وتيرة البيع بشكل كبير مع قيام كبار المستثمرين، المعروفين بـ”الحيتان”، بالتخلص من ممتلكات ضخمة. وأدت صفقة واحدة ضخمة شملت 24,000 بيتكوين (بقيمة 2.7 مليار دولار) إلى إطلاق شرارة عمليات تصفية واسعة النطاق في أسواق المشتقات، حيث تم إغلاق المراكز المالية ذات الرافعة المالية قسراً. وتشير بيانات التداول إلى حدوث تصفيات إجمالية بقيمة 535 مليون دولار، منها 446 مليون دولار من المراكز الشرائية الطويلة، مما يعكس حجم حالة البيع بدافع الذعر التي اجتاحت السوق.
ضغوط بيعية من الحيتان وعدم اليقين الاقتصادي
يأتي هذا الانخفاض في أسعار البيتكوين وسط حالة من عدم اليقين المتزايد بشأن سياسة الاحتياطي الفيدرالي. على الرغم من التلميحات الإيجابية من رئيسه جيروم باول في 22 أغسطس حول إمكانية خفض أسعار الفائدة، إلا أن الأسواق المالية لا تزال حذرة. فبينما تسعر الأسواق احتمالية خفض الفائدة بنسبة 82% في اجتماع 17 سبتمبر، فإن الإشارات المتضاربة من الإدارة الأمريكية قد عكرت صفو هذه التوقعات.
وقد زاد من تعقيد المشهد قرار الرئيس ترامب المثير للجدل بإقالة محافظة بنك الاحتياطي الفيدرالي ليزا كوك في 28 أغسطس، وهو ما أثار تساؤلات جدية حول استقلالية البنك المركزي وقدرته على اتخاذ قرارات نقدية بمعزل عن الضغوط السياسية. هذا الغموض يؤثر بشكل خاص على البيتكوين، التي تُعتبر من الأصول الحساسة للسيولة وتغيرات أسعار الفائدة. كما أن ارتباطها السلبي القوي (-0.89) بمؤشر الدولار الأمريكي يعني أن أي قوة للدولار، مدفوعة بعدم اليقين هذا، تجعل البيتكوين أكثر تكلفة للمشترين العالميين، مما يفرض ضغوطاً بيعية إضافية عليها.
التحليل الفني يشير إلى ضعف إضافي
من الناحية الفنية، اخترقت أسعار البيتكوين مستويات دعم حرجة كانت تتمحور حول 114,500 دولار، وهبطت إلى ما دون متوسطها المتحرك لمدة 30 يوماً عند 115,600 دولار، وهو ما يعتبر إشارة سلبية للمتداولين على المدى القصير. وتشير المؤشرات الفنية إلى مخاطر هبوط إضافية؛ فمؤشر MACD يظهر زخماً سلبياً متزايداً، ومؤشر القوة النسبية (RSI) عند 44.79 يشير إلى أن الأصل ليس في منطقة ذروة البيع بعد، مما يترك مجالاً لمزيد من الانخفاض قبل أي ارتداد محتمل.
ومن المثير للاهتمام أن هذا الانهيار حدث خلال مؤتمر “بيتكوين آسيا” في هونغ كونغ، مما يواصل نمطاً تاريخياً يُعرف بـ”البيع على الخبر”، حيث يتزامن ضعف الأسعار مع انعقاد مؤتمرات البيتكوين الكبرى نتيجة لقيام المستثمرين بجني الأرباح بعد فترة من الترقب.
رؤى متفائلة على المدى الطويل رغم التراجعات
على الرغم من هذا الانخفاض الحاد في أسعار البيتكوين، يحافظ المحللون الاستراتيجيون على توقعاتهم الصعودية على المدى الطويل. فقد أبقى بنك “VanEck” على سعره المستهدف عند 180,000 دولار بنهاية العام، بينما يرى بنك “JPMorgan” أن البيتكوين مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية بنحو 16,000 دولار مقارنة بالذهب، مما يضع قيمتها العادلة عند 126,000 دولار. تستند هذه التوقعات إلى عوامل أساسية قوية مثل محدودية العرض والتبني المتزايد.
ويُعد تزايد حيازة الشركات للبيتكوين أحد أهم هذه العوامل الداعمة؛ حيث تحتفظ خزائن الشركات الآن بأكثر من 6% من إجمالي المعروض. هذا الاتجاه لا يوفر دعماً هيكلياً للسوق فحسب، بل يقلل أيضاً من التقلبات، لأن هذه المؤسسات تميل إلى الاحتفاظ بالأصل على المدى الطويل بدلاً من المضاربة. هذا الاستقرار المتزايد، الذي يتضح من خلال وصول تقلبات البيتكوين إلى أدنى مستوياتها التاريخية، يجعلها أكثر جاذبية للمحافظ الاستثمارية الكبيرة التي كانت تتجنبها سابقاً بسبب تقلباتها الشديدة.
في الختام، بينما تعكس أسعار البيتكوين الحالية ضغوطاً بيعية كبيرة على المدى القصير، وهي ناتجة بشكل أساسي عن حركات الحيتان والشكوك التي تحيط بالسياسات الاقتصادية الكلية، فإن الأسس الهيكلية للسوق تبدو أكثر صلابة. إن الاتجاه المتزايد للتبني المؤسسي، والذي يوفر طبقة جديدة من الطلب المستقر، إلى جانب الانخفاض الملحوظ في التقلبات، يرسمان صورة واعدة ومستقبل مشرق للعملة الرقمية الرائدة على المدى الطويل، حتى وإن كان الطريق محفوفاً بالتقلبات المؤقتة.
اقرأ أيضا…