الدولار الأمريكي يتراجع لأقل مستوى منذ يوليو

شهد الدولار الأمريكي تراجعًا ملحوظًا، مسجلاً أدنى مستوى له منذ أواخر يوليو، وسط ترقب المستثمرين لصدور بيانات سوق العمل الأمريكية هذا الأسبوع. يأتي هذا التراجع في الوقت الذي يقيّم فيه المتعاملون أحدث أرقام التضخم والقرارات السياسية التي قد تؤثر على مسار التيسير النقدي من قبل الاحتياطي الفيدرالي.
التوقعات الاقتصادية وتأثيرها على الدولار الأمريكي
تشير أحدث بيانات السوق إلى احتمالية كبيرة، تصل إلى 90%، لخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في سبتمبر. ويتوقع المحللون أن يصل إجمالي التيسير النقدي إلى 100 نقطة أساس بحلول خريف عام 2026. هذه التوقعات تعزز من ضعف الدولار الأمريكي في مواجهة العملات الأخرى.
كما يترقب المستثمرون بتركيز شديد تقرير الوظائف غير الزراعية المقرر صدوره يوم الجمعة، والذي يسبقه بيانات هامة عن الوظائف الشاغرة والوظائف الخاصة. يرى المحللون أن الاقتصاد الأمريكي لم يعد يتفوق كما كان خلال العقد الماضي، مما يبرر ضعف الدولار. ويتوقعون أن أي علامات إضافية على ضعف سوق العمل ستعزز هذا التوجه.
ويوضح الخبير الاقتصادي كلاوس بادر من سوسيتيه جنرال أن “الضعف الحاد في البيانات الاقتصادية قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى استجابة أكثر قوة مما تتوقعه الأسواق”. وعلى الجانب الآخر، يرى بعض المحللين أن هناك فرصة للقيام بتحرك أكبر يصل إلى 50 نقطة أساس هذا الشهر، خاصة إذا كانت أرقام مايو ويونيو تشير إلى قوة مستمرة.
يعتبر سوق العمل الأمريكي من أهم المؤشرات التي يراقبها الاحتياطي الفيدرالي لتحديد سياسته النقدية. فإذا أظهرت الأرقام ارتفاعًا في معدلات البطالة أو تباطؤًا في نمو الأجور، فإن ذلك سيزيد من الضغط على البنك المركزي لتبني سياسة نقدية أكثر تيسيرًا لتجنب الركود. وعلى العكس من ذلك، فإن استمرار قوة سوق العمل قد يعطي الاحتياطي الفيدرالي مساحة أكبر لمقاومة خفض الفائدة، خاصة مع وجود مخاوف من عودة التضخم للارتفاع. هذا التوتر بين مؤشرات التضخم وسوق العمل هو ما يجعل المستثمرين في حالة من الترقب الشديد.
الضغوط السياسية والمالية
إلى جانب العوامل الاقتصادية، يواجه الدولار الأمريكي ضغوطًا من التطورات السياسية. فقد أثرت معركة الرئيس السابق دونالد ترامب مع الاحتياطي الفيدرالي على ثقة المستثمرين، بالإضافة إلى حكم قضائي يرى أن معظم التعريفات التي فرضها غير قانونية. هذه المخاطر السياسية، على الرغم من أن المحللين يرون أن تأثيرها على المدى القصير محدود، إلا أنها تثير مخاوف بشأن استقلالية السياسة النقدية.
ويرى جورج سارافيلوس، رئيس أبحاث العملات العالمية في دويتشه بنك، أن مخاطر “الهيمنة المالية” لم تتضح بشكل كامل بعد، وهي تشير إلى سيناريو يضغط فيه على البنوك المركزية لتخفيف سياستها النقدية لتمويل العجز الكبير في الميزانية.
تأثير السياسة على الدولار الأمريكي ليس بالأمر الجديد، ولكن الضغوط الأخيرة على استقلالية الاحتياطي الفيدرالي تزيد من حالة عدم اليقين. فمن ناحية، قد يؤدي التدخل السياسي في قرارات البنك المركزي إلى فقدان الثقة في قدرته على إدارة الاقتصاد بشكل فعال. ومن ناحية أخرى، فإن المخاوف من العجز المالي المتزايد والديون الحكومية قد تفرض ضغوطًا على السياسة النقدية، مما يدفع الاحتياطي الفيدرالي لتبني سياسات تدعم الحكومة بدلاً من التركيز على استقرار الأسعار. هذه التوترات يمكن أن تؤثر على جاذبية الدولار الأمريكي كعملة احتياطية عالمية.
أداء العملات الأخرى
في ظل تراجع الدولار الأمريكي، استعادت عملات أخرى بعض قوتها. فقد ارتفع اليورو بنسبة 0.32% مقابل الدولار، كما صعد الجنيه الإسترليني بنسبة 0.16%. وعلى الرغم من التراجع الشهري، ظل الدولار مستقراً تقريباً مقابل الين الياباني، في حين استقر اليوان الصيني بعد موجة من التراجعات. يشير المحللون إلى أن البنك المركزي الصيني ربما يكون أكثر راحة مع السماح لليوان بالارتفاع، مما يعكس تفاؤلاً أقل بشأن مخاطر النمو على المدى القريب.
ختاما يواجه الدولار الأمريكي حاليًا فترة من التراجع نتيجة عوامل متعددة، أبرزها التوقعات ببدء دورة التيسير النقدي من قبل الاحتياطي الفيدرالي، وصدور بيانات اقتصادية قد تشير إلى ضعف الأداء الأمريكي. بالإضافة إلى ذلك، تلعب المخاطر السياسية دوراً في زيادة حالة عدم اليقين. ستكون الأيام المقبلة حاسمة في تحديد مسار العملة الأمريكية، خاصة مع ترقب نتائج تقرير الوظائف غير الزراعية الذي قد يعيد تشكيل التوقعات المالية.
اقرأ أيضا…