أخبار الأسواقأخبار الذهبسلع

ارتفاع قياسي في أسعار الذهب والفضة

شهدت أسعار الذهب ارتفاعًا كبيرًا، لتسجل أعلى مستوياتها في أكثر من أربعة أشهر، في ظل تزايد التوقعات بخفض وشيك لأسعار الفائدة من قبل البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. هذا الارتفاع لم يقتصر على الذهب، حيث تجاوز سعر الفضة حاجز 40 دولارًا للأوقية لأول مرة منذ أكثر من عقد، مما يعكس تحولًا في معنويات المستثمرين تجاه الأصول غير المدرة للعائد. تاريخيًا، يُنظر إلى الذهب كملاذ آمن في أوقات عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي، وتُعزز هذه المكانة بشكل كبير عندما تصبح الأصول التقليدية الأخرى مثل السندات أقل جاذبية.

توقعات خفض الفائدة الأمريكية يدعم أسعار الذهب

يُعدّ التفاؤل بشأن سياسات نقدية أكثر مرونة في الولايات المتحدة العامل الأساسي وراء صعود أسعار الذهب. فقد ارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 1.2% ليصل إلى 3,486.86 دولار للأوقية، في حين صعدت العقود الآجلة للذهب الأمريكي لتسليم ديسمبر بنسبة 1.1% إلى 3,554.60 دولار.

يعود هذا التوجه بشكل كبير إلى تصريحات “متساهلة” من مسؤولين في الاحتياطي الفيدرالي، مثل ماري دالي، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو. على الرغم من صدور بيانات مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي (PCE) التي جاءت متوافقة مع التوقعات، فإن تعليقات دالي عززت من التوقعات بحدوث خفض محتمل لأسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس هذا الشهر، مما دعم جاذبية المعدن الأصفر.

يكمن السبب الرئيسي وراء العلاقة العكسية بين أسعار الفائدة وأسعار الذهب في مفهوم “تكلفة الفرصة البديلة”. عندما تكون أسعار الفائدة مرتفعة، تقدم السندات وأدوات الادخار عوائد مجزية، مما يجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين مقارنة بالذهب، الذي لا يدر أي فائدة أو عائداً دورياً. وعلى النقيض، عندما تنخفض أسعار الفائدة، تقل جاذبية هذه الأصول المادية، وتصبح تكلفة فرصة الاحتفاظ بالذهب أقل، مما يدفع المستثمرين للتوجه إليه كوعاء لحفظ القيمة في ظل بيئة اقتصادية قد تشهد تباطؤًا.

عوامل أخرى تضعف الدولار وتدعم الذهب

بالإضافة إلى التوقعات النقدية، لعبت التطورات القانونية دورًا في دفع أسعار الذهب للارتفاع. فقد أشار مات سيمبسون، كبير المحللين في “سيتي إندكس”، إلى أن قرار إحدى محاكم الاستئناف الأمريكية باعتبار معظم التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب غير قانونية، أثر سلبًا على قيمة الدولار. فضعف الدولار يجعل الذهب، المقوم به، أرخص لحاملي العملات الأخرى، مما يعزز الطلب عليه ويدفع أسعاره للصعود.

إن العلاقة العكسية بين الدولار والذهب هي إحدى الدعائم الأساسية التي تحكم أسواق المعادن النفيسة. فمع تراجع قيمة الدولار، يميل المستثمرون إلى البحث عن أصول بديلة لتنويع محافظهم وحمايتها من التضخم. ويعتبر الذهب أحد أبرز هذه الأصول، مما يفسر سبب ارتباط قوته بضعف العملة الأمريكية والعكس صحيح. وتأتي هذه التطورات القانونية لتعزز هذا التأثير بشكل مباشر، حيث يرى البعض فيها إشارة إلى احتمال تراجع التوترات التجارية الدولية، وهو ما يؤثر إيجاباً على شهية المخاطرة لدى المستثمرين، لكنه يضعف الدولار كأصل ملاذ آمن.

الفضة تلحق بالركب وتكسر حاجز الـ 40 دولار

على صعيد متصل، شهدت الفضة ارتفاعًا ملحوظًا، حيث قفز سعرها الفوري بنسبة 2.2% ليصل إلى 40.56 دولارًا للأوقية، وهو أعلى مستوى لها منذ سبتمبر 2011. يرى تيم ووترر، كبير محللي السوق في “كيه سي إم تريد”، أن هذا الارتفاع يعود إلى عاملين رئيسيين: الأول هو استجابة الفضة للتوقعات بخفض أسعار الفائدة الأمريكية، والثاني هو تضييق سوق العرض، مما يساهم في الحفاظ على الميل الصعودي لأسعارها.

تتمتع الفضة بطبيعة فريدة تختلف عن الذهب، حيث لا تقتصر استخداماتها على كونها أداة استثمارية وملاذاً آمناً، بل هي أيضاً معدن صناعي حيوي يدخل في صناعة الإلكترونيات والألواح الشمسية والعديد من التقنيات الحديثة. لذلك، فإن أسعارها تتأثر ليس فقط بالسياسات النقدية، بل أيضاً بمتانة الاقتصاد العالمي والطلب الصناعي. ويعكس الارتفاع الحالي في أسعارها مزيجًا من الطلب الاستثماري المتزايد نتيجة توقعات خفض الفائدة، والطلب الصناعي القوي في ظل النقص في المعروض.

نظرة على المعادن النفيسة الأخرى

كما استفادت معادن نفيسة أخرى من هذه الموجة الإيجابية، حيث ارتفع سعر البلاتين بنسبة 1.5% إلى 1,384.68 دولارًا، بينما صعد سعر البلاديوم بنسبة 0.8% ليصل إلى 1,118.06 دولارًا. هذه التحركات تشير إلى وجود اهتمام واسع النطاق بالاستثمار في المعادن الثمينة كملجأ آمن في بيئة اقتصادية تتسم بعدم اليقين. يُستخدم كل من البلاتين والبلاديوم بشكل أساسي في صناعة السيارات، حيث يدخلان في صناعة المحولات الحفازة، مما يجعل أسعارهما مرتبطة بشكل وثيق بأداء قطاع السيارات العالمي.

في الختام إن الارتفاع الأخير في أسعار الذهب والفضة هو انعكاس واضح لتوقعات المستثمرين حيال السياسات النقدية المستقبلية في الولايات المتحدة، بالإضافة إلى تراجع قيمة الدولار. وتُظهر هذه الديناميكيات أن أسواق المعادن النفيسة لا تزال تستجيب بقوة لأي إشارة قد تدفع أسعار الفائدة نحو الانخفاض، مما يجعلها ملاذًا جذابًا في الأوقات التي يفضل فيها المستثمرون الأصول التي لا تتأثر بتقلبات العملات. ومع استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي، من المتوقع أن تبقى المعادن الثمينة في صدارة اهتمامات المستثمرين كأداة فعالة لتنويع المحافظ وحمايتها من التقلبات المستقبلية.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى