استقرار الدولار الأمريكي بعد تراجعه الأسبوع الماضي

شهدت أسواق العملات العالمية استقراراً ملحوظاً في قيمة الدولار الأمريكي يوم الاثنين، بعد تراجعه الحاد الأسبوع الماضي. جاء هذا التراجع في أعقاب تصريحات مفاجئة من رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، التي أثارت توقعات واسعة بخفض وشيك لسعر الفائدة خلال الشهر المقبل، مما دفع المتداولين إلى إعادة تقييم استراتيجياتهم والبحث عن فرص جديدة في ظل هذا التحول في السياسة النقدية المتوقعة.
تأثير تصريحات باول على توقعات السوق
كانت تصريحات باول يوم الجمعة بمثابة نقطة تحول حاسمة في توقعات السوق، حيث فُسرت على أنها إشارة واضحة لنهج أكثر ليونة. فبينما كان المستثمرون يترقبون إشارات أكثر وضوحاً حول المسار المستقبلي للسياسة النقدية، أشار باول إلى تزايد المخاطر التي تهدد سوق الوظائف في الولايات المتحدة، على الرغم من تأكيده المستمر على بقاء التضخم كتهديد قائم. هذه الرسالة المزدوجة، التي جمعت بين الحذر بشأن النمو الاقتصادي والوعي بالتضخم، دفعت البنوك الكبرى، مثل باركليز وبي إن بي باريبا ودويتشه بنك، إلى توقع خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع الفيدرالي المقبل في سبتمبر.
وتعكس أداة “FedWatch” التابعة لمجموعة CME ارتفاع احتمالية خفض الفائدة بشكل كبير إلى 86%، مقارنةً بنحو 70% قبل خطاب باول. هذا الارتفاع السريع في التوقعات يؤكد مدى حساسية الأسواق لأي إشارة من الفيدرالي، وكيف يمكن لتصريح واحد أن يغير مسار التداول في غضون أيام. هذه التوقعات تعكس اعتقاد السوق بأن الفيدرالي قد يمنح أولوية لدعم النمو الاقتصادي وضمان استقرار سوق العمل، حتى لو كان ذلك يعني القبول بمستويات تضخم أعلى قليلاً في الأجل القصير.
أداء الدولار مقابل العملات الرئيسية وتداعياته
في ظل هذه التوقعات، تماسك الدولار الأمريكي نسبياً، مسجلاً مكاسب طفيفة مقابل العملات الرئيسية، مما يشير إلى أن المستثمرين لم يتخلوا عن العملة الأمريكية بالكامل بعد. فقد تراجع اليورو بنسبة 0.18% ليصل إلى 1.1699 دولار، متراجعاً عن أعلى مستوى له في أربعة أسابيع الذي سجله يوم الجمعة. كما تراجعت كل من العملة البريطانية (الجنيه الإسترليني) والفرنك السويسري بنسبة 0.1% مقابل الدولار. هذا الأداء المتباين يؤكد على أن الأسواق لا تزال في حالة من الترقب، في انتظار المزيد من الأدلة.
وعلق مارك تشاندلر، كبير استراتيجيي السوق في شركة “بانوكبيرن غلوبال فوركس”، على هذا الاستقرار النسبي قائلاً: “يُعزز الدولار اليوم في نطاقات ضيقة نسبياً، وهو ما يعكس حالة الترقب في السوق. أعتقد أن الأمر سيتطلب المزيد من البيانات الاقتصادية القوية، خاصة تلك المتعلقة بسوق العمل والتضخم، للتأثير فعلاً على توقعات الفيدرالي، وهذا هو الأمر الأساسي حالياً.” هذا التماسك يوضح أن الأسواق لا تزال بحاجة إلى تأكيدات إضافية قبل الرهان بقوة على اتجاه واحد، حيث أن أي بيانات قوية قادمة قد تغير التوقعات مرة أخرى.
العوامل الضاغطة على العملة الأمريكية وتحدياتها
أشار سامي شعار، كبير الاقتصاديين في “لومبارد أودييه”، إلى أن توقعات التيسير النقدي وتباطؤ الاقتصاد الأمريكي، إلى جانب المخاوف المستمرة بشأن الوضع المالي للولايات المتحدة، من المرجح أن تفرض ضغوطاً إضافية على الدولار. هذا وقد شهد الدولار الأمريكي تراجعاً بأكثر من 9.5% هذا العام مقابل سلة من ست عملات رئيسية، وهو أداء يعكس تحولاً في ثقة المستثمرين بعيداً عن العملة الأمريكية. في المقابل، ارتفع اليورو بنسبة 13% تقريباً خلال الفترة نفسها، مما يجعله العملة الأفضل أداءً في سلة العملات الرئيسية.
وتتجاوز التحديات مجرد السياسة النقدية. فالهجمات المتكررة من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على باول وغيره من صانعي السياسات في الاحتياطي الفيدرالي قد أثارت مخاوف جدية بشأن استقلالية البنك المركزي. هذا التدخل السياسي يضيف طبقة من عدم اليقين للمستثمرين، مما قد يؤثر سلباً على جاذبية الدولار الأمريكي على المدى الطويل. كما حذرت مذكرة من محللي “جولدمان ساكس” من أن “الجهود المتجددة لإعادة تشكيل الفيدرالي تمثل تحدياً محتملاً للسندات طويلة الأجل”، حيث أن المساس باستقلالية البنك يمكن أن يضعف الثقة في قدرته على إدارة التضخم، مما يؤدي إلى زيادة العائدات المطلوبة على السندات لتعويض المخاطر المتزايدة.
تطورات أخرى وتوقعات مستقبلية
في غضون ذلك، ارتفعت عوائد السندات في منطقة اليورو يوم الاثنين، عاكسةً الانخفاض الذي سجلته في أواخر الأسبوع الماضي، وذلك مع قيام المستثمرين بإعادة تقييم توقعاتهم بشأن سياسات الفيدرالي الأمريكي وتأثيرها المحتمل على الاقتصاد الأوروبي. وارتفع عائد السندات الألمانية لأجل 10 سنوات، وهو المعيار الرئيسي في المنطقة، بمقدار 5 نقاط أساس ليصل إلى 2.77%، مقترباً من أعلى مستوى له في خمسة أشهر. هذا الارتفاع في العوائد يشير إلى أن المستثمرين يبيعون سنداتهم تحسباً لارتفاع محتمل في أسعار الفائدة، أو توقعاً لنمو اقتصادي أقوى في ألمانيا والمنطقة ككل، خاصة بعد ظهور بيانات إيجابية حول معنويات الأعمال الألمانية.
ويتوقع شعار أن يعزز اليورو من قوته ليصل إلى مستوى يتراوح بين 1.20 و1.22 دولار خلال الستة إلى اثني عشر شهراً القادمة. كما يتجه التركيز الآن نحو البيانات الاقتصادية القادمة، خاصةً مقياس التضخم المفضل لدى الفيدرالي الأمريكي (مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي) الذي سيصدر يوم الجمعة، وأرقام الوظائف لشهر أغسطس بعد ذلك بأسبوع. هذه البيانات ستوفر للمستثمرين رؤى حاسمة حول صحة الاقتصاد الأمريكي وستحدد المسار القادم لسياسات الفيدرالي، مما سيؤثر بشكل مباشر على حركة الدولار الأمريكي.
اقرأ أيضا…