أخبار الأسواقاخبار اقتصاديةأخبار الدولار الأمريكي

الفيدرالي الأميركي: انقسام حول التضخم وسوق العمل وسط مخاوف من التعريفات

في خطوة تعكس حالة من عدم اليقين الاقتصادي، كشف محضر اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة التابعة لـ الفيدرالي الأميركي في يوليو عن انقسامات عميقة بين مسؤولي البنك المركزي بشأن المسار الصحيح للسياسة النقدية. وعلى الرغم من أن الأغلبية صوتت لصالح الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، فقد أظهرت المناقشات قلقاً متزايداً بشأن التضخم وسوق العمل، بالإضافة إلى الآثار المحتملة للرسوم الجمركية.

مخاوف مزدوجة: التضخم مقابل التوظيف

يواجه الفيدرالي الأميركي تحدياً مزدوجاً يتمثل في تحقيق التوازن بين هدفيه الرئيسيين: استقرار الأسعار (مكافحة التضخم) وتحقيق أقصى قدر من التوظيف. ووفقاً للمحضر، فقد أشار المشاركون إلى وجود مخاطر على كلا الجانبين. في حين رأى غالبية المسؤولين أن التهديد الأكبر يأتي من ارتفاع التضخم، اعتبر قلة منهم أن تدهور سوق العمل يمثل خطراً أكثر إلحاحاً. هذا الانقسام يسلط الضوء على المعضلة التي يواجهها الفيدرالي الأميركي في ظل البيانات الاقتصادية المتضاربة.

فمن جهة، لا يزال التضخم أعلى من المستوى المستهدف البالغ 2%، مما يدعو إلى الحذر. ومن جهة أخرى، بدأت بيانات سوق العمل تظهر مؤشرات ضعف، وهو ما قد يستدعي تدخلاً لدعم النمو. هذا التناقض يضع صانعي القرار في مأزق حقيقي، حيث قد يؤدي أي قرار لخدمة أحد الهدفين إلى الإضرار بالآخر.

التعريفات التجارية تزيد من حالة عدم اليقين

كانت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب في قلب المناقشات. فقد أقر المسؤولون بأن هذه التعريفات تزيد من حالة عدم اليقين، خاصة فيما يتعلق بتأثيرها على التضخم. ورغم أن البعض توقع أن تكون آثارها مؤقتة أو معتدلة، إلا أن المحضر أشار إلى أن هناك شكوكاً كبيرة تحيط بتوقيت وحجم واستمرارية هذه الآثار على الأسعار.

هذا القلق من أن تؤدي التعريفات إلى ارتفاع التضخم يشكل عاملاً معقداً يضاف إلى الصورة الاقتصادية المتشابكة. فزيادة تكاليف الاستيراد يمكن أن تنتقل إلى المستهلكين على شكل أسعار أعلى للسلع، مما يغذي التضخم ويقوض القوة الشرائية. وقد أشار بعض المسؤولين في الفيدرالي الأميركي إلى أن تأثير هذه الرسوم على التضخم قد يكون أكثر وضوحاً خلال الصيف، مما يجعل من الصعب اتخاذ قرار حاسم بشأن أسعار الفائدة في الوقت الحالي.

خلاف غير مسبوق في التصويت

للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاثة عقود، شهد اجتماع الفيدرالي الأميركي اعتراضاً من قبل أكثر من عضو واحد على قرار السياسة النقدية. فقد صوت المحافظان كريستوفر والر وميشيل بومان ضد قرار تثبيت أسعار الفائدة، وفضلا خفضها. يعكس هذا التصويت المنقسم التباين في وجهات النظر بين الأعضاء، حيث يرى البعض أن الاقتصاد بحاجة إلى دعم من خلال سياسة نقدية أكثر مرونة، بينما يرى آخرون أن الأولوية يجب أن تكون لاحتواء التضخم.

هذا الخلاف يظهر أن التقييمات الاقتصادية ليست موحدة داخل البنك المركزي، وأن كل عضو ينظر إلى البيانات من منظور مختلف، مما يعكس مدى تعقيد الوضع الاقتصادي الحالي.

تراجع سوق العمل وتوقعات مستقبلية

جاء محضر الاجتماع قبل يومين فقط من صدور تقرير وزارة العمل الذي أظهر ضعفاً أكبر مما كان متوقعاً في نمو الوظائف غير الزراعية خلال يوليو. ومع ذلك، حتى قبل صدور هذه البيانات، لاحظ مسؤولو الفيدرالي الأميركي أن هناك مؤشرات على ضعف في سوق العمل، وأن مخاطر تدهور التوظيف قد “زادت بشكل ملموس”.

هذا الوضع يضع البنك المركزي في موقف صعب، حيث قد يواجه مقايضات صعبة إذا استمر التضخم في الارتفاع بينما يضعف سوق العمل. فقد أشار المحضر إلى أن قرارات أسعار الفائدة المستقبلية ستعتمد على “مسافة كل متغير عن هدف اللجنة والفترات الزمنية المختلفة التي يُتوقع فيها سد هذه الفجوات”. هذا يعني أن الفيدرالي الأميركي سيعتمد بشكل كبير على البيانات القادمة، خاصة فيما يتعلق بالتوظيف والتضخم، لتحديد الخطوات التالية.

الضغوط السياسية وخطاب جاكسون هول

يأتي هذا الانقسام في ظل خلفية سياسية متوترة، حيث يمارس الرئيس ترامب ضغوطاً متواصلة على الفيدرالي الأميركي ورئيسه جيروم باول لخفض أسعار الفائدة. هذه الضغوط تزيد من تعقيد مهمة البنك المركزي، الذي يسعى للحفاظ على استقلاليته. يترقب المستثمرون والأسواق خطاب جيروم باول المرتقب في جاكسون هول، والذي من المتوقع أن يوضح فيه اتجاه السياسة النقدية على المدى القصير والطويل. هذا الخطاب يحمل أهمية كبيرة لأنه قد يحدد التوقعات المستقبلية للأسواق المالية ويقدم رؤية واضحة لمسار الفيدرالي الأميركي.

باختصار، يواجه الفيدرالي الأميركي تحديات متعددة، من التضخم الناتج عن التعريفات التجارية إلى ضعف سوق العمل المتزايد. ويعكس محضر اجتماع يوليو حالة من الانقسام حول كيفية التعامل مع هذه التحديات، مما يترك الباب مفتوحاً أمام احتمالات مختلفة للسياسة النقدية في الأشهر القادمة. فمع استمرار التوترات التجارية والضغوط السياسية، سيتعين على البنك المركزي أن يتنقل في بيئة اقتصادية معقدة تتطلب حكمة وتوازناً دقيقاً. وستكون القرارات المستقبلية حاسمة في تحديد ما إذا كان الاقتصاد الأميركي سيتجنب الركود أم سيواجه المزيد من التقلبات.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى