الدولار الأمريكي يترقب خطاب رئيس الفيدرالي الأميركي في جاكسون هول

شهد الدولار الأمريكي تذبذبًا طفيفًا يوم الخميس، حيث يترقب المستثمرون الإشارات المقبلة من ندوة جاكسون هول السنوية للاحتياطي الفيدرالي. يأتي هذا الترقب وسط تجدد المخاوف بشأن استقلالية البنك المركزي الأمريكي، خاصة بعد الضغوط المتزايدة من الرئيس دونالد ترامب على محافظ الفيدرالي، جيروم باول.
تعد ندوة جاكسون هول، التي ينظمها بنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي، أحد أهم الفعاليات الاقتصادية السنوية على مستوى العالم. فعلى الرغم من أنها لا تصدر عنها قرارات ملزمة، إلا أن تصريحات رؤساء البنوك المركزية وخبراء الاقتصاد المشاركين فيها غالبًا ما ترسم ملامح السياسة النقدية المستقبلية وتوجه توقعات الأسواق. هذا ما يفسر الاهتمام الكبير الذي تحظى به كلمة باول، والتي قد تحدد مسار أسعار الفائدة في الفترة القادمة.
تداعيات الضغوط السياسية على الدولار
أثارت دعوات الرئيس ترامب المتكررة لخفض أسعار الفائدة والشكوك حول استقلالية البنك المركزي قلق المستثمرين. لم تقتصر الضغوط على انتقاداته المستمرة لمحافظ الفيدرالي، جيروم باول، بل امتدت لتشمل دعواته الصريحة لاستقالة مسؤولة في البنك.
ويشكل هذا التوتر السياسي تهديدًا جوهريًا لمبدأ الاستقلالية الذي يعتبر حجر الزاوية في عمل البنوك المركزية الكبرى، ويهدف إلى حماية القرارات النقدية من التأثيرات السياسية قصيرة الأجل التي قد تخدم أهدافًا انتخابية على حساب الاستقرار الاقتصادي طويل المدى. يرى بعض المحللين، مثل لي هاردمان من MUFG، أن رغبة ترامب في خفض الفائدة قد تؤدي إلى مخاطر تصاعدية على التضخم في الولايات المتحدة، مما قد يزعزع الثقة في الدولار الأمريكي وسندات الخزانة الأمريكية طويلة الأجل.
فإذا ما فقد المستثمرون ثقتهم في قدرة الفيدرالي على مكافحة التضخم بشكل مستقل، فإنهم سيطالبون بعوائد أعلى على السندات لتعويض مخاطر تآكل القيمة المستقبلية لأموالهم. هذه المخاوف تضع ضغطًا إضافيًا على جيروم باول الذي يواجه توقعات السوق بتخفيض الفائدة في سبتمبر، وهي توقعات قد تكون مدفوعة بشكل جزئي بالاعتقاد بأن ترامب سيعيد تعيين شخصية أكثر “تساهلاً” (dovish) في حال فوزه، وهو ما يدفع الأسواق للتصرف بناءً على توقعات سياسية محتملة لا اقتصادية صرفة. إن هذا المزيج من الضغط السياسي وتوقعات السوق يضع الفيدرالي في موقف بالغ الحساسية قبل ندوة جاكسون هول.
جاكسون هول: مفترق طرق لمستقبل الفائدة
تزايدت التوقعات بأن يقوم باول بتبديد آمال السوق بتخفيض وشيك للفائدة خلال كلمته في جاكسون هول. يشير الخبراء إلى أن أي إشارة من باول نحو الإبقاء على أسعار الفائدة الحالية قد تؤدي إلى رد فعل أقوى بكثير في سوق العملات من إشارته إلى خفض الفائدة، وذلك لأن الأسواق قد استوعبت بالفعل هذا السيناريو الأخير.
فقد وصلت التوقعات الحالية لخفض الفائدة في اجتماع سبتمبر إلى نحو 79%، مما يعني أن أي تحول عن هذا المسار سيشكل مفاجأة كبيرة للمستثمرين.
في هذا السياق، يشرح كينيث بروك، رئيس قسم أبحاث الشركات في سوسيتيه جنرال، أن “المخاطر غير متماثلة”؛ فإذا لم يقم الفيدرالي بخفض الفائدة، قد تعود التوقعات إلى 50-50، وهو ما قد يدفع المستثمرين إلى بيع سندات الخزانة الأمريكية قصيرة الأجل بشكل مكثف. هذا البيع سيؤدي إلى ارتفاع عوائد هذه السندات ويزيد من جاذبية الدولار كأصل يحقق عائدًا أعلى، مما سيعزز من قوته بشكل ملحوظ.
ديناميكيات العملات والاقتصاديات العالمية
في خضم هذا الترقب، حافظ اليورو والجنيه الإسترليني على ثباتهما مقابل الدولار، بينما تراجع الين الياباني والفرنك السويسري بشكل طفيف. وفي آسيا، وصل حجم الرهانات الهبوطية على اليوان الصيني إلى أعلى مستوياته منذ منتصف مايو، مع تزايد المخاوف بشأن صحة الاقتصاد الصيني. يأتي هذا التراجع وسط تحديات داخلية تواجهها بكين، مثل تباطؤ قطاع العقارات، وارتفاع الإنفاق العام الذي يمول بالعجز، مما يثير تساؤلات حول فعالية سياساتها في تحفيز النمو المستدام.
على الجانب الآخر، تلقى الكرون النرويجي دعمًا قويًا، مرتفعًا بنسبة 0.6% مقابل الدولار واليورو بعد أن أظهرت البيانات نموًا اقتصاديًا في البلاد فاق التوقعات في الربع الثاني. يعكس هذا الارتفاع العلاقة المباشرة بين الأداء الاقتصادي القوي وقوة العملة، حيث تجذب الاقتصاديات التي تسجل نموًا إيجابيًا رؤوس الأموال الأجنبية، مما يزيد الطلب على عملتها المحلية.
وفي سياق آخر، ارتفع عائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات بشكل طفيف إلى 4.30%، بينما ارتفع عائد سندات السنتين الأكثر حساسية للسياسة النقدية إلى 3.756%. هذه التحركات تعكس حالة الترقب والقلق في أسواق الدين، حيث يتوقع المستثمرون أن يكون أي قرار من الاحتياطي الفيدرالي حاسمًا لمسار العائدات في المستقبل.
اقرأ أيضا…