أخبار الأسواقأخبار الذهبسلع

أسعار الذهب تتراجع بعد محضر الفيدرالي المتشدد

شهدت أسعار الذهب تراجعًا طفيفًا هذا الأسبوع، وهو ما أثار فضول الكثيرين. لماذا يتأثر سعر المعدن الأصفر بتقارير وقرارات البنوك المركزية، وتحديداً بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي؟ الإجابة تكمن في العلاقة المعقدة بين الذهب كأصل استثماري والسياسات النقدية العالمية. يُعرف الذهب على مر العصور بأنه “ملاذ آمن” يلجأ إليه المستثمرون لحماية ثرواتهم من التضخم وتقلبات الأسواق. فهو يحتفظ بقيمته في الأزمات الاقتصادية ويشكل ضمانة ضد انهيار العملات الورقية. هذا ما يفسر سبب اهتمام الناس بأسعاره ومتابعة أدق الأخبار التي قد تؤثر عليه، سواء كانت تقارير اقتصادية أو تصريحات سياسية.

الفيدرالي ومصير الذهب

يعتبر الذهب “ملاذاً آمناً” للمستثمرين في أوقات عدم اليقين الاقتصادي والسياسي. لكن قيمته تتأثر بشكل مباشر بقرارات الفيدرالي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة. عندما يرفع الفيدرالي أسعار الفائدة، يصبح الاحتفاظ بالدولار الأمريكي والاستثمار في السندات الحكومية أكثر جاذبية، لأنها تقدم عائداً مضموناً للمستثمر. هذا العائد يمثل ما يُعرف بـ”تكلفة الفرصة البديلة” للاحتفاظ بالذهب؛ فالمستثمر يضحي بالعائد الذي يمكن أن يحققه من السندات في مقابل الاحتفاظ بذهب لا يدر عائداً. على سبيل المثال، إذا كان بإمكانك تحقيق عائد 5% من سندات الخزانة الأمريكية، فسيكون من المغري تحويل استثمارك من الذهب الذي لا يقدم أي عائد، إلى هذه السندات ذات العائد المرتفع.

في الآونة الأخيرة، كشفت محاضر اجتماع الفيدرالي الأمريكي في يوليو أن معظم صانعي السياسة اتفقوا على إبقاء أسعار الفائدة كما هي، مع وجود بعض الآراء التي فضلت خفضها. ورغم أن هذا القرار قد يبدو إيجابياً للذهب، إلا أن نبرة المحاضر كانت “متشددة” بشكل عام، مما يعني أن البنك المركزي ما زال يرى ضرورة في الحفاظ على سياسة نقدية صارمة للسيطرة على التضخم. هذه النظرة “المتشددة” تعني أن خفض الفائدة ليس وشيكًا، وهذا ما دفع أسعار الذهب للانخفاض قليلاً. فقد كشفت المحاضر أن نائب رئيس الفيدرالي ميشيل بومان والحاكم كريستوفر والر كانا الوحيدين اللذين طالبا بخفض سعر الفائدة، وهو ما أكد على أن الأغلبية في البنك المركزي لا تزال تميل إلى الحفاظ على أسعار فائدة مرتفعة، مما يجعل الدولار أكثر جاذبية ويقلل من الإقبال على الذهب.

أنظار العالم على جاكسون هول

الحدث الأهم الذي يترقبه المستثمرون حالياً هو اجتماع قمة جاكسون هول السنوي الذي يجمع أبرز مسؤولي البنوك المركزية والاقتصاديين. يُعد جاكسون هول أكثر من مجرد اجتماع؛ إنه ملتقى سنوي يجتمع فيه قادة البنوك المركزية والاقتصاديون لمناقشة التحديات الاقتصادية العالمية الكبرى.

ومن المتوقع أن يلقي رئيس الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، كلمة مهمة في هذا الحدث. ستكون كلمته محط الأنظار لأنها قد تعطي إشارات واضحة حول خطط الفيدرالي المستقبلية. هل سيؤكد على استمرار مكافحة التضخم، أم سيشير إلى أهمية دعم سوق العمل؟ أي إشارة في هذا الاتجاه ستكون لها تداعيات مباشرة على أسعار الذهب. إذا أشار باول إلى سياسة “متشددة”، فقد يؤدي ذلك إلى مزيد من الضغط على أسعار الذهب. أما إذا كانت لهجته “مرنة” وركز على دعم النمو الاقتصادي، فقد يرتفع سعر الذهب.

عوامل أخرى تؤثر على الذهب

لا يمكننا إغفال أن السياسات النقدية ليست العامل الوحيد الذي يؤثر على الذهب. هناك عوامل أخرى مهمة جداً:

  1. مشتريات البنوك المركزية: تواصل البنوك المركزية، وخصوصاً بنك الشعب الصيني، شراء كميات قياسية من الذهب. ويعتبر هذا التحرك استراتيجياً لتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي وتنويع الاحتياطيات الأجنبية، مما يوفر دعماً قوياً ومستداماً لأسعار الذهب ويحد من أي تراجع حاد. وتظهر البيانات أن البنوك المركزية في دول أخرى مثل بولندا وسنغافورة والهند، قد قامت أيضاً بزيادة احتياطياتها من الذهب في الأشهر الأخيرة.
  2. التوترات السياسية والاقتصادية: الأزمات الجيوسياسية، مثل النزاعات التجارية أو التوترات في مناطق معينة، تدفع المستثمرين للهروب إلى الأصول الآمنة مثل الذهب. هذا الطلب المتزايد يعزز سعره بشكل كبير، حيث يعتبره المستثمرون حصناً منيعاً ضد التقلبات غير المتوقعة. على سبيل المثال، قد تؤدي التوترات التجارية بين الدول الكبرى إلى حالة من عدم اليقين في الأسواق المالية، مما يجعل المستثمرين يفضلون الذهب على الأسهم أو السندات.
  3. تقلبات العملات: تربط الذهب بالدولار الأمريكي علاقة عكسية. فبما أن الذهب يُسعَّر بالدولار عالمياً، فإن ضعف الدولار يجعله أرخص للمستثمرين الذين يستخدمون عملات أخرى، مما يزيد من الطلب عليه وبالتالي يرفع من سعره. وعلى العكس، عندما يرتفع الدولار، يصبح الذهب أكثر تكلفة بالنسبة لأولئك المستثمرين، مما يقلل من الطلب عليه.

هل الذهب يواجه خطر المزيد من الهبوط؟

بشكل عام، يرى المحللون أن أسعار الذهب لا تواجه خطراً كبيراً بالتراجع الحاد، طالما أنها تحافظ على مستوياتها الحالية. ويعود ذلك بشكل رئيسي إلى استمرار البنوك المركزية في الشراء. ومع ذلك، فإن أي تغيير مفاجئ في لهجة الفيدرالي الأمريكي أو حدوث تغيرات جذرية في المشهد الجيوسياسي قد يسبب بعض التقلبات. لا يمكن لأي مستثمر تجاهل هذه العوامل المؤثرة، حيث إنها تشكل خارطة طريق لفهم اتجاهات أسعار الذهب.

في الختام، يبقى الذهب استثماراً مهماً ومحورياً في محفظة الكثيرين، لكن فهم العوامل التي تؤثر على سعره، خاصة القرارات الاقتصادية الكبرى، هو مفتاح النجاح في هذا السوق. سواء كنت مستثمراً كبيراً أو مهتماً فقط بمتابعة الأخبار، فإن العلاقة بين الذهب والاقتصاد العالمي هي قصة مثيرة تستحق المتابعة.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى