الدولار الأمريكي يترقب جاكسون هول

شهد الدولار الأمريكي استقراراً نسبياً يوم الأربعاء، وهو ما يعكس حالة الترقب الحذرة التي تسيطر على الأسواق المالية العالمية. يتجه تركيز المستثمرين حالياً نحو ندوة جاكسون هول السنوية لمحافظي البنوك المركزية، حيث من المقرر أن يلقي رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، خطاباً بالغ الأهمية. يترقب الجميع أي تلميحات حول المسار المستقبلي للسياسة النقدية الأمريكية، خاصة فيما يتعلق بأسعار الفائدة، والتي ستكون لها تداعيات عميقة على اتجاه الدولار الأمريكي في الفترة المقبلة.
تذبذب الدولار والرهانات على الفيدرالي
في ظل هذا الترقب، انخفض مؤشر الدولار الأمريكي، الذي يقيس أداء العملة الأمريكية مقابل سلة من ست عملات رئيسية، بأقل من 0.1% ليقف عند مستوى 98.265. هذا الانخفاض الطفيف يأتي بعد أن لامس المؤشر أعلى مستوى له منذ أكثر من أسبوع عند 98.441، مما يشير إلى حالة من عدم اليقين في السوق.
يُعد خطاب باول المقرر يوم الجمعة الحدث الأبرز، حيث يراقبه المتداولون عن كثب بحثاً عن أي مؤشرات قد تدعم أو تدحض التوقعات المتزايدة بخفض أسعار الفائدة. حالياً، تضع الأسواق احتمالية تبلغ حوالي 85% لخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في اجتماع الفيدرالي المقبل في سبتمبر، مع توقعات بحدوث تخفيضات إجمالية تصل إلى 54 نقطة أساس بحلول نهاية العام. هذه التوقعات تعكس اعتقاداً قوياً لدى المستثمرين بأن الفيدرالي سيتجه نحو سياسة نقدية أكثر تيسيراً لمواجهة التباطؤ المحتمل في النمو الاقتصادي.
تأتي حالة الترقب هذه في ظل بيانات اقتصادية متضاربة؛ فبعد تقرير الوظائف الأمريكي الذي جاء ضعيفاً بشكل مفاجئ في بداية هذا الشهر، زادت التوقعات بخفض الفائدة. إلا أن بيانات أسعار المنتجين التي جاءت أقوى من المتوقع الأسبوع الماضي أضفت تعقيداً على المشهد، مما جعل المحللين يختلفون حول الإشارات التي سيبعث بها باول. كان باول نفسه قد أشار سابقاً إلى تردده في خفض أسعار الفائدة، وذلك بسبب الضغوط التضخمية التي قد تنشأ من الرسوم الجمركية والتوترات التجارية.
تحركات العملات العالمية الأخرى وتأثرها بالدولار
بينما يترقب الدولار الأمريكي، شهدت العملات العالمية الأخرى تحركات ملحوظة، مما يعكس الترابط الوثيق بين أسواق الصرف الأجنبي. تراجع الدولار النيوزيلندي بشكل حاد، حيث انخفض بنسبة 1.3% إلى أدنى مستوى له منذ أبريل الماضي، بعد أن أعلن البنك المركزي في نيوزيلندا عن خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس، مع إشارته إلى أنه كان يدرس خفضاً أكبر بمقدار 50 نقطة أساس. هذه الإشارة “التيسيرية” (dovish) القوية فاجأت المتداولين، مما أدى إلى زيادة التوقعات بحدوث المزيد من التخفيضات المستقبلية.
في أوروبا، استقر اليورو والفرنك السويسري بشكل عام أمام الدولار الأمريكي، في حين تراجع الين الياباني بشكل طفيف. أما الجنيه الإسترليني، فقد حافظ على ثباته مقابل الدولار الأمريكي واليورو، بعد أن فاقت أرقام التضخم التوقعات، مما يضع بريطانيا في وضع فريد بين الاقتصادات الصناعية الكبرى من حيث مواجهة تحديات نمو الأسعار. ومع ذلك، يرى العديد من المحللين أن ارتفاع التضخم كان مدفوعاً بشكل أساسي بعوامل موسمية ومتقلبة مثل أسعار تذاكر الطيران، مما يقلل من احتمالية أن يؤثر ذلك على قرارات السياسة النقدية لبنك إنجلترا في الوقت الحالي.
الدولار الأمريكي والعملات الرقمية
لا يقتصر تأثير الدولار الأمريكي على العملات التقليدية فقط، بل يمتد ليشمل سوق العملات الرقمية المتنامي. ففي هذا السوق، تذبذب سعر البيتكوين حول مستوى 113,537 دولار، بعد أن تراجع في وقت سابق متأثراً بزيادة قوة الدولار الأمريكي. تُعتبر العملات الرقمية أحياناً ملاذاً للمستثمرين في أوقات عدم اليقين، إلا أن العلاقة بينها وبين الدولار الأمريكي معقدة؛ فغالباً ما يؤدي ارتفاع قيمة الدولار إلى انخفاض في قيمة البيتكوين، حيث يميل المستثمرون إلى تحويل أموالهم من الأصول ذات المخاطر العالية إلى الأصول الأكثر أماناً مثل الدولار الأمريكي. في المقابل، شهدت عملة الإيثريوم ارتفاعاً طفيفاً بنسبة 1.2% لتصل إلى 4,207 دولار.
ختاماً، يبقى الدولار الأمريكي محط أنظار الأسواق العالمية، وأداة رئيسية في تحديد مسار الاقتصاد العالمي. وسواء كانت إشارات باول في جاكسون هول “متشددة” (hawkish) أو “التيسيرية” (dovish)، فإنها ستحدد ما إذا كانت العملة الخضراء ستواصل مسارها المستقر أم أنها ستتجه نحو تغييرات حاسمة في ظل التوقعات المتزايدة بخفض أسعار الفائدة، مما سيؤثر على قرارات الاستثمار والسياسات النقدية حول العالم.
اقرأ أيضا…