تراجع الدولار الأمريكي وسط ترقب للقمة الأوكرانية لمؤتمر جاكسون هول

شهد الدولار الأمريكي مؤخراً تراجعاً ملحوظاً أمام العملات الرئيسية الأخرى، في تحرك دفع المحللين والمستثمرين إلى التساؤل حول أسبابه وتداعياته المحتملة على الأسواق العالمية. يأتي هذا التراجع في ظل حدثين رئيسيين يشغلان اهتمام الأسواق: الأول هو قمة أوكرانيا الأخيرة التي انعقدت على أمل إيجاد حل للصراع، والثاني هو ترقب تصريحات مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي في مؤتمر جاكسون هول الاقتصادي السنوي الذي يُعد منصة هامة لتحديد اتجاه السياسة النقدية. هذه العوامل مجتمعة خلقت حالة من الحذر والترقب، مما أثر بشكل مباشر على قيمة الدولار.
قمة أوكرانيا: تأثير محدود على أسواق العملات
في لقاءات دبلوماسية مكثفة، أجرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي محادثات حول كيفية ضمان أمن أوكرانيا في أي اتفاق محتمل لإنهاء الصراع مع روسيا. ورغم الآمال المعقودة على هذه المحادثات، إلا أن نتائجها لم توفر إشارة واضحة للأسواق حول مسار الصراع، مما أبقى حالة التذبذب قائمة. في المقابل، استفادت العملات الأوروبية مثل اليورو والجنيه الإسترليني من هذه الأجواء المتفائلة نسبياً، حيث ارتفع كل منهما بنحو 0.2% مقابل الدولار الأمريكي، مدعوماً بتوقعات بأن أي تقدم نحو السلام قد يعزز من النمو الاقتصادي في المنطقة.
ووفقاً للخبراء الاقتصاديين، فإن التطورات المتعلقة بالحرب الروسية الأوكرانية من غير المرجح أن تكون محركاً رئيسياً للأسواق في الوقت الحالي، خاصة وأن تكاليف الطاقة الأوروبية لم تتأثر بشكل كبير، مما قلل من الضغوط التضخمية التي كانت تخيم على الاقتصاد الأوروبي. يرى محللون في بنك MUFG أن أي نجاح محتمل في المحادثات قد يوفر دعماً إضافياً للعملات الأوروبية التي قدمت أداءً جيداً هذا العام، حيث إن إنهاء الصراع سيعزز الثقة في الاستثمارات الأوروبية ويقلل من المخاطر الجيوسياسية التي أثرت عليها سلباً في السابق. هذا التفاؤل الحذر كان سبباً في التحول الطفيف للمستثمرين من الدولار كملاذ آمن إلى العملات الأوروبية الأكثر عرضة للمخاطر.
ترقب مؤتمر جاكسون هول: أنظار المستثمرين على الفيدرالي
في الوقت الذي تترقب فيه الأسواق بقلق الخطوة التالية للاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي)، يعد مؤتمر جاكسون هول السنوي من أهم الفعاليات الاقتصادية التي يتابعها الجميع. ومن المقرر أن يتحدث رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، عن التوقعات الاقتصادية وإطار السياسة النقدية للبنك. وتترقب الأسواق أي إشارات حول خفض محتمل لأسعار الفائدة، خاصة بعد توقعات قوية من الأسواق بخفض قريب، حيث تفوق التوقعات لخفض الفائدة في سبتمبر 80% وفقاً لأداة FedWatch.
على الرغم من أن التوقعات تشير إلى احتمال كبير لخفض أسعار الفائدة في سبتمبر، فإن السوق قد لا يحصل على التأكيد الذي يتوق إليه من خطاب باول. يرى بعض الخبراء أن باول قد يمتنع عن الالتزام بمسار نقدي محدد قبل أن تظهر بيانات شهر أغسطس بشكل كامل. هذا الحذر يعكس حالة من عدم اليقين بشأن مسار الاقتصاد الأمريكي، وربما رغبة من الفيدرالي في الاحتفاظ بمرونة سياسته النقدية لمواجهة أي تطورات غير متوقعة. إن أي إشارة غير واضحة من باول قد تسبب خيبة أمل للمستثمرين الذين كانوا يأملون في تأكيد على خفض الفائدة، مما قد يقلل من جاذبية الدولار الأمريكي كأداة استثمارية.
تحديات الاقتصاد الأمريكي ورؤية الفيدرالي
تأتي هذه التوقعات وسط تقلبات في البيانات الاقتصادية الأمريكية. على الرغم من أن محضر اجتماع الفيدرالي في يوليو قد يقدم رؤى حول تفكير صانعي السياسة، إلا أن هذا الاجتماع انعقد قبل صدور تقرير سوق العمل الضعيف الذي دفع الأسواق إلى التنبؤ بخفض أكثر قوة لأسعار الفائدة. هذه المفارقة بين تفكير الفيدرالي قبل البيانات الأخيرة وبين رد فعل السوق على تلك البيانات تزيد من حالة عدم اليقين.
وتشير مذكرة بحثية صادرة عن بنك أوف أمريكا جلوبال ريسيرش إلى أن الفيدرالي قد يجد مبررات للإبقاء على أسعار الفائدة الحالية، خاصة مع استمرار التضخم في مستوياته، بالإضافة إلى تأثيرات التعريفات الجمركية التي قد ترفع الأسعار، واستمرار معدل البطالة عند مستويات تاريخية منخفضة. كل هذه العوامل تدعم فكرة أن الفيدرالي قد لا يكون مستعداً لخفض أسعار الفائدة بالسرعة التي يتوقعها السوق، بل قد يفضل نهجاً حذراً وتدريجياً لضمان عدم حدوث صدمات غير مرغوبة للاقتصاد. هذا النهج سيجعل الدولار الأمريكي أكثر استقراراً على المدى الطويل، لكنه قد يقلل من حركته الصعودية في المدى القصير.
خلاصة وتوقعات مستقبلية
في المحصلة، يعكس تراجع الدولار الأمريكي حالة من الترقب والحذر في الأسواق. فبينما فشلت التطورات السياسية في توفير زخم قوي له، يظل مصيره معلقاً على تصريحات الاحتياطي الفيدرالي المرتقبة. من المرجح أن يستمر الدولار الأمريكي في حركته الهادئة حتى تتضح الرؤية بشكل أكبر، سواء من خلال البيانات الاقتصادية القادمة التي ستوفر صورة أوضح عن صحة الاقتصاد، أو من خلال خطاب باول في جاكسون هول الذي قد يحدد ملامح السياسة النقدية المستقبلية. في هذه الأثناء، تستفيد العملات الأوروبية من الأجواء، بينما تواصل العملات الرقمية مثل البيتكوين تقلباتها بعد أن سجلت أعلى مستوياتها القياسية مؤخراً، في دلالة على أن المستثمرين يبحثون عن بدائل خارج الأصول التقليدية.
اقرأ أيضا…