تراجع الدولار الأمريكي والأنظار تتجه نحو اجتماع ترامب وبوتين

شهد سعر الدولار الأمريكي تراجعاً ملحوظاً يوم الجمعة، مع حالة من الحذر تسيطر على المستثمرين الذين يترقبون صدور بيانات أسعار الواردات. يأتي هذا التراجع بعد أن أشارت أرقام حديثة إلى احتمالية تسارع وتيرة التضخم في الأشهر المقبلة، مما أثار شكوكاً حول المسار المستقبلي لسياسة الاحتياطي الفيدرالي. وفي الوقت نفسه، تفوق الين الياباني على اليورو والجنيه الإسترليني، مدعوماً ببيانات نمو يابانية قوية فاقت التوقعات، والتي أظهرت أن حجم الصادرات اليابانية صمد بشكل جيد في مواجهة التعريفات الجمركية الأمريكية الجديدة.
اجتماع ترامب-بوتين يلقي بظلاله على الأسواق
تتجه كل الأنظار حالياً إلى اجتماع مرتقب في ألاسكا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. يركز الاجتماع على جهود ترامب لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في أوكرانيا.
ويرى بعض المحللين أن أي وضوح بشأن مسار الصراع في أوكرانيا سيكون له تأثيرات أطول أمداً على اليورو مقارنة بالدولار الأمريكي. وذلك لأن أي تهدئة للصراع من شأنها أن تعزز ثقة المستثمرين في الاقتصاد الأوروبي، مما يدعم العملة الموحدة بشكل مباشر. هناك فرصة أن يمثل هذا الاجتماع خطوة أولى نحو التهدئة، مما يدفع الأسواق إلى الحذر والترقب لنتائج قد تغير قواعد اللعبة.
بيانات أسعار الواردات وتأثيرها على الدولار الأمريكي ومسار التضخم
تكتسب أرقام أسعار الواردات الأمريكية أهمية خاصة هذا الأسبوع، خاصة بعد الارتفاع الحاد في أسعار المنتجين الذي شهدناه الشهر الماضي. هذا الارتفاع الأخير دفع المستثمرين إلى مراقبة أي علامات على انتقال هذه الزيادات إلى الاقتصاد الأوسع. إذا استمرت أسعار الواردات في الارتفاع، فقد يكون ذلك إشارة إلى أن الشركات الأمريكية تمتص التعريفات الجمركية بالكامل. هذا يضع الشركات أمام خيارين صعبين: إما تمرير التكاليف المرتفعة إلى المستهلكين، مما قد يؤجج التضخم ويؤثر على القوة الشرائية للأفراد، أو تحمل الضربة على هوامش أرباحها، مما قد يؤثر سلباً على أداء أسهمها واستثماراتها.
تعكس أسواق المال حالياً فرصة بنسبة 95% لخفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس من قبل الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر. كانت الأسواق قد سعرت بالكامل خفضاً بمقدار 25 نقطة أساس وفرصة 5% لخفض أكبر بمقدار 50 نقطة أساس قبل بيانات يوم الخميس. وتنتظر الأسواق أيضاً ندوة جاكسون هول الأسبوع المقبل للحصول على إشارات واضحة حول الخطوة التالية للاحتياطي الفيدرالي. إن ظهور علامات ضعف في سوق العمل الأمريكي بالتزامن مع تضخم ناتج عن التعريفات التجارية قد يضع الاحتياطي الفيدرالي أمام معضلة حقيقية في تحديد مسار خفض أسعار الفائدة.
تحليل خبراء وتوقعات مستقبلية
- مورجان ستانلي: يشير المحللون في البنك إلى أن علاوة المخاطرة على الدولار الأمريكي تبلغ حالياً 6%، مقارنة بنطاق يتراوح بين 5% و9% منذ أبريل. ويتوقع البنك أن يعود الدولار إلى تلك المستويات أو حتى يتجاوزها، مما قد يضعف العملة الأمريكية. يعود ذلك إلى أن المستثمرين يزيدون من حصة تعرضهم للأصول الأمريكية المحمية من مخاطر سعر الصرف، وهو ما يُعرف بالتحوط (Hedging)، مما يقلل من الطلب على الدولار كملاذ آمن.
- تداعيات التعريفات الجمركية: بعد إعلانات ترامب الأخيرة بشأن التعريفات الجمركية، شهدت الأسواق عمليات بيع للأصول الأمريكية، بما في ذلك الدولار الأمريكي، وسط مخاوف من أن واشنطن على وشك شن حرب تجارية ضد حلفائها الرئيسيين. هذه المخاوف من تصاعد التوترات التجارية أثرت بشكل مباشر على ثقة المستثمرين في العملة الأمريكية.
- الين الياباني: ارتفع الين بنسبة 0.56% مقابل الدولار الأمريكي، مدعوماً ببيانات أظهرت نمواً اقتصادياً يابانياً أسرع من المتوقع في الربع الثاني. كما ساهمت تصريحات وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، التي أشار فيها إلى أن بنك اليابان قد يكون “متأخراً عن المنحنى” في التعامل مع مخاطر التضخم، في دعم الين. وتعليقاً على ذلك، قالت جين فولي، كبيرة استراتيجيي العملات الأجنبية في رابوبنك، إن السلطات اليابانية لن ترغب في أن تصبح قيمة الين مصدر قلق لإدارة ترامب أكثر مما هي عليه بالفعل.
- اليورو والجنيه الإسترليني: ارتفع اليورو بنسبة 0.34% والجنيه الإسترليني بنسبة 0.24% مقابل الدولار الأمريكي. يتوقع معظم المحللين أن تستفيد العملة الأوروبية الموحدة من أي اتفاق محتمل لوقف إطلاق النار في أوكرانيا، حيث يرى فرانشيسكو بيسول، استراتيجي العملات الأجنبية في آي إن جي، أن اجتماع ترامب وبوتين وأي وضوح بشأن مسار الصراع في أوكرانيا له تداعيات طويلة الأمد على اليورو أكثر من الدولار الأمريكي.
في الختام، يظهر أداء الدولار الأمريكي تأثره بمجموعة معقدة من العوامل، بدءاً من البيانات الاقتصادية المحلية وتوقعات أسعار الفائدة ووصولاً إلى التوترات التجارية والجيوسياسية. يترقب المستثمرون بشغف اجتماع جاكسون هول الأسبوع المقبل للحصول على مزيد من الإشارات حول مسار الاحتياطي الفيدرالي المقبل، والذي قد يواجه تحديات جديدة في ظل مؤشرات متضاربة من الاقتصاد.
اقرأ أيضا…