تراجع أسعار الذهب الأسبوعي: بيانات التضخم الأمريكية تُلقي بظلالها على آمال خفض الفائدة

شهدت أسعار الذهب ارتفاعًا طفيفًا يوم الجمعة، مدعومة بتراجع الدولار الأمريكي، لكنها على وشك تسجيل خسارة أسبوعية بعد أن جاءت بيانات التضخم الأمريكية أعلى من المتوقع، مما أضعف آمال المستثمرين في خفض كبير لأسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر. هذا التذبذب يعكس حساسية المعدن الأصفر للتوقعات بشأن السياسة النقدية، حيث يوازن المستثمرون باستمرار بين البيانات الاقتصادية القوية التي تدعم الدولار والضغوط التضخمية التي تزيد من جاذبية الذهب كملاذ آمن.
وارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 0.3% ليصل إلى 3,345.21 دولار للأونصة اعتبارًا من الساعة 07:57 بتوقيت جرينتش. وعلى مدار الأسبوع، خسر المعدن النفيس 1.5%، متأثرًا بالتحول المفاجئ في مزاج السوق. كما ارتفعت العقود الآجلة للذهب الأمريكي لتسليم ديسمبر بنسبة 0.3% لتصل إلى 3,391.70 دولار.
التضخم الأمريكي يغير مسار توقعات الفيدرالي
كان المحرك الرئيسي لتذبذب أسعار الذهب هذا الأسبوع هو البيانات الاقتصادية الصادرة من الولايات المتحدة، والتي أظهرت اتجاهًا متصاعدًا في التضخم. فقد أظهرت البيانات أن أسعار المنتجين (PPI) ارتفعت في يوليو بأكبر وتيرة لها منذ ثلاث سنوات، وسط زيادة في تكاليف السلع والخدمات. وتعتبر بيانات أسعار المنتجين مؤشرًا مبكرًا ومهمًا للضغوط التضخمية، حيث إن الزيادة فيها غالبًا ما تنتقل إلى أسعار المستهلكين لاحقًا. بالإضافة إلى ذلك، جاءت مطالبات البطالة الأسبوعية أقل من التوقعات عند 224 ألفًا، مقارنة بتوقعات بلغت 228 ألفًا، مما يشير إلى قوة سوق العمل.
هذه البيانات القوية دفعت المستثمرين إلى إعادة تقييم توقعاتهم بشأن سياسة الاحتياطي الفيدرالي. وبدلًا من توقع خفض حاد لأسعار الفائدة في سبتمبر، يتجه تركيز السوق الآن نحو تخفيف محتمل للسياسة النقدية في أكتوبر. ويُعرف الذهب بأدائه الجيد في بيئات أسعار الفائدة المنخفضة لأنه لا يدر عائدًا، وبالتالي فإن تأجيل خفض الفائدة أو الإبقاء على أسعار مرتفعة يرفع من “تكلفة الفرصة البديلة” لحيازة الذهب، مما يجعله أقل جاذبية للمستثمرين مقارنة بالأصول ذات العائد مثل السندات. هذا التحول في التوقعات كان له أثر مباشر وسلبي على سعر الذهب.
دور الدولار والطلب العالمي
قال المحلل المستقل روس نورمان: “على المدى القصير، أصبح للذهب علاقة عكسية متزايدة مع تحركات الدولار الأمريكي، والذي بدوره يتأثر بالبيانات الاقتصادية والأخبار السريعة حول الرسوم الجمركية والأوضاع في أوكرانيا”. بالفعل، انخفض مؤشر الدولار الأمريكي بنسبة 0.3% يوم الجمعة، مما جعل الذهب أرخص لحاملي العملات الأخرى وساهم في تعويض بعض الخسائر الأسبوعية.
من جانبه، أشار جيوفاني ستونوفو، محلل السلع في بنك UBS، إلى أن تراجعات أسعار الذهب أصبحت أقل حدة مع مرور الوقت، مما يشير إلى أن بعض المستثمرين الذين فاتتهم فرص الشراء السابقة يستغلون هذه التراجعات لزيادة انكشافهم على المعدن الأصفر. وقد تحسن الطلب الفعلي على الذهب في الهند بشكل طفيف هذا الأسبوع مع انخفاض الأسعار، خاصة مع قرب موسم الأعياد والأعراس، بينما ظل الطلب في المراكز الآسيوية الكبرى الأخرى ضعيفًا. علاوة على ذلك، لا يمكن إغفال دور البنوك المركزية العالمية التي تواصل إضافة الذهب إلى احتياطياتها لتقليل الاعتماد على الدولار، وهو ما يوفر دعمًا أساسيًا طويل الأجل لأسعار المعدن.
نظرة مستقبلية وعوامل المخاطرة
تظل أسعار الذهب تحت تأثير مزيج معقد من العوامل الاقتصادية والجيوسياسية. ومع ترقب المستثمرين لنتائج اجتماع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، تستمر حالة عدم اليقين في التأثير على تحركات السوق. ففي أوقات التوترات الجيوسياسية، غالبًا ما يلجأ المستثمرون إلى الذهب كأفضل ملاذ آمن، وهو ما يحد من تراجعه.
في النهاية، يعتمد مسار الذهب بشكل كبير على القرارات المستقبلية للاحتياطي الفيدرالي وتأثيرها على الدولار، لكن الطلب المتزايد على الملاذات الآمنة، سواء بسبب التضخم أو المخاطر الجيوسياسية، يمنع حدوث انخفاضات حادة ويقدم دعمًا قويًا للمعدن الأصفر. ستكون البيانات الاقتصادية القادمة، خاصة المتعلقة بالتضخم وسوق العمل، هي البوصلة التي توجه قرارات السياسة النقدية وبالتالي تحدد اتجاه أسعار الذهب في الأسابيع المقبلة.
اقرأ أيضا…