الدولار الأمريكي يصعد بعد مفاجأة بيانات التضخم
استعاد الدولار الأمريكي قوته مؤخراً، منهياً سلسلة من الخسائر استمرت ليومين، وذلك بعد أن أظهرت بيانات اقتصادية مهمة ارتفاعاً في أسعار المنتجين بالولايات المتحدة خلال شهر يوليو. هذا الارتفاع فاق التوقعات بكثير، مما يشير إلى أن التضخم قد يكون عائداً بقوة، وهو ما ألقى بظلال من الشك على خطط الاحتياطي الفيدرالي المرتقبة لخفض أسعار الفائدة. فما الذي تعنيه هذه الأرقام للمستثمرين، وكيف تؤثر على مسار العملة الخضراء؟
بيانات التضخم تُفاجئ الأسواق وتدعم الدولار الأمريكي
جاءت بيانات أسعار المنتجين (PPI) في يوليو لتؤكد أن الضغوط التضخمية لا تزال قائمة، بل وتتزايد. ارتفعت تكاليف الخدمات والسلع بشكل ملحوظ، مما يشير إلى أن ارتفاع الأسعار على مستوى الجملة قد ينتقل قريباً إلى المستهلكين. هذه الزيادة في التكاليف لم تكن متوقعة بنفس الحدة، مما أثار قلق المحللين والمستثمرين على حد سواء.
عادةً ما يُنظر إلى مؤشر أسعار المنتجين على أنه مؤشر مبكر لما سيحدث لمؤشر أسعار المستهلكين في الأشهر القادمة، حيث أن الشركات غالباً ما تمرر تكاليف الإنتاج المتزايدة إلى المستهلك النهائي. هذا الأمر يضع سيناريو عودة التضخم بقوة على الطاولة مرة أخرى، ويفرض تحدياً جديداً على صناع القرار في البنك المركزي.
جاءت هذه الأرقام بعد أيام فقط من بيانات أسعار المستهلكين (CPI) التي أظهرت ارتفاعاً أقل من المتوقع، مما دفع العديد من المستثمرين إلى زيادة رهاناتهم على خفض وشيك في أسعار الفائدة من قبل البنك المركزي الأمريكي.
لكن بيانات أسعار المنتجين قلبت الطاولة، وأثارت مخاوف جديدة بشأن استمرارية التضخم، خاصة مع احتمال تأثير الرسوم الجمركية على أسعار السلع في الأشهر المقبلة. هذا الوضع يضع الاحتياطي الفيدرالي في موقف صعب، حيث يوازن بين الحاجة لدعم الاقتصاد وبين ضرورة كبح جماح التضخم.
توقعات خفض أسعار الفائدة في مهب الريح
على الرغم من أن بيانات التضخم الأخيرة لم تلغِ تماماً احتمال خفض أسعار الفائدة في شهر سبتمبر، إلا أنها أضعفت بشكل كبير فكرة خفض حاد بمقدار 50 نقطة أساس، وهو ما كان يقترحه بعض المحللين. يقول مات ويلر، رئيس أبحاث السوق في شركة “ستون إكس”، إن هذا الاحتمال لم يكن مرجحاً بالأساس، وتقرير أسعار المنتجين الجديد قضى عليه تماماً.
الأهم من ذلك، أن هذه البيانات تثير تساؤلات جدية حول مدى عدوانية الاحتياطي الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة خلال ما تبقى من العام. في حين كان البعض يتوقع ثلاثة تخفيضات متتالية، يرى ويلر أنه في ظل مستويات التضخم الحالية، قد لا تتجاوز التخفيضات مرتين، وقد يكون ذلك أيضاً محل شك. تظهر بيانات مجموعة بورصات لندن (LSEG) أن المتداولين لا يزالون يثقون بنسبة كبيرة في خفض سعر الفائدة في اجتماع 17 سبتمبر، لكن البيانات الاقتصادية قد تغير هذا السيناريو.
الدولار يتفوق على العملات الرئيسية
انعكست قوة الدولار الأمريكي على أداءه مقابل العملات الأخرى في الأسواق العالمية. ارتفع مؤشر الدولار، الذي يقيس أداء العملة الخضراء مقابل سلة من ست عملات رئيسية، بنسبة 0.5%، ليصل إلى 98.17 نقطة. وفي المقابل، تراجعت العملات الأخرى؛ فقد انخفض سعر صرف اليورو بنسبة 0.5% إلى 1.16485 دولار، وتراجع الجنيه الإسترليني بنسبة 0.3% إلى 1.3538 دولار. حتى الين الياباني، الذي كان قد ارتفع في وقت سابق من الجلسة، تراجع ليغلق تداولاته بشكل شبه ثابت مقابل الدولار.
ومع ذلك، يحذر المحللون من التفاؤل المفرط بشأن استمرار ارتفاع الدولار. يشير مايكل براون، محلل الأسواق في شركة “بيبرستون”، إلى أن الأسواق من المرجح أن تظل متمسكة بفكرة خفض الفائدة في سبتمبر، على الأقل حتى نسمع ما سيقوله رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، في ندوة جاكسون هول الاقتصادية المرتقبة في وقت لاحق من هذا الشهر.
بيتكوين في مستويات قياسية وسط تغيرات تنظيمية
بعيداً عن العملات التقليدية، سجلت عملة بيتكوين (BTC) ارتفاعاً قياسياً جديداً، متجاوزة مستوى 124,480 دولاراً، قبل أن تتراجع قليلاً لتستقر عند حوالي 118,536 دولاراً. يأتي هذا الارتفاع مدفوعاً بزيادة تدفقات الأموال المؤسسية هذا العام، خاصة بعد التغيرات التنظيمية في الولايات المتحدة التي يقودها الرئيس ترامب. ففي الأسبوع الماضي، مهد أمر تنفيذي الطريق للسماح بإدراج العملات الرقمية في حسابات التقاعد 401(k)، مما يزيد من شرعيتها وجاذبيتها كأصل استثماري.
في النهاية توضح هذه التقلبات الأخيرة أن الأسواق المالية تتأثر بشكل كبير ببيانات التضخم. رغم التفاؤل بخفض وشيك في أسعار الفائدة، فإن الارتفاع غير المتوقع في أسعار المنتجين يذكرنا بأن مسار الاحتياطي الفيدرالي ليس سهلاً، وقد لا يكون الخفض بالسرعة التي توقعها البعض. لذلك، يظل مراقبة البيانات الاقتصادية وتصريحات قادة البنوك المركزية أمراً حيوياً لاتخاذ قرارات استثمارية مستنيرة.
اقرأ أيضا…
