أسعار الذهب تترقب بيانات التضخم الأمريكية وسط توقعات بخفض الفائدة

شهدت أسعار الذهب ارتفاعًا طفيفًا اليوم الثلاثاء، لتتعافى بشكل جزئي من التراجع الحاد الذي سجلته في الجلسة السابقة. يأتي هذا الارتفاع مع ترقب المستثمرين لبيانات التضخم الأمريكية الحاسمة، والتي من شأنها أن توفر رؤى جديدة حول المسار المستقبلي لقرارات الفيدرالي الأمريكي بشأن أسعار الفائدة. وتُعَد هذه العلاقة بين التضخم وأسعار الفائدة جوهرية لفهم تحركات المعدن الأصفر، حيث يُنظر إلى الذهب تقليديًا كأداة تحوط ضد التضخم وفقدان القوة الشرائية للعملات.
في التعاملات الصباحية، ارتفع سعر الذهب الفوري بنسبة 0.1% ليصل إلى 3,348.41 دولار للأوقية، في حين تراجعت العقود الآجلة للذهب الأمريكي تسليم ديسمبر بنسبة 0.2% إلى 3,397.10 دولار. ويأتي هذا الارتفاع بعد أن انخفض الذهب بنسبة 1.6% يوم أمس، بينما تراجعت العقود الآجلة بأكثر من 2%، إثر تصريح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بأنه لن يتم فرض رسوم جمركية على سبائك الذهب المستوردة. هذا التصريح المفاجئ خفف من حدة التوترات التجارية التي كانت تدعم الذهب سابقًا كملاذ آمن مؤقت، مما أدى إلى عمليات بيع لجني الأرباح بشكل سريع، خاصة بعد الارتفاعات الكبيرة التي سجلها المعدن في الفترات الماضية.
التضخم الأمريكي يحدد مسار الذهب
تتجه أنظار السوق بالكامل نحو مؤشر أسعار المستهلكين (CPI) الأمريكي، الذي من المقرر إصداره في وقت لاحق اليوم. يُعتبر هذا المؤشر هو المقياس الرئيسي للتضخم، ويتابعه الفيدرالي الأمريكي عن كثب، وبشكل خاص “مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي” الذي يستبعد أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة. يهدف الفيدرالي من خلال التركيز على هذا المؤشر الأساسي إلى الحصول على صورة أوضح لاتجاهات الأسعار طويلة الأجل بعيدًا عن الصدمات المؤقتة. ويتوقع خبراء اقتصاديون استطلعت رويترز آراءهم أن يكون مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي قد ارتفع بنسبة 0.3% في يوليو، مما يدفع المعدل السنوي للتضخم إلى 3%، وهو ما يظل بعيدًا عن هدف الفيدرالي الأمريكي البالغ 2%، مما يزيد من الضغط على البنك المركزي لاتخاذ إجراءات للسيطرة على الأسعار.
وفي هذا السياق، يقول كيفن وونغ، كبير محللي السوق في OANDA: “يركز المشاركون في السوق الآن بشكل قاطع على خفض أسعار الفائدة المرتقب من الفيدرالي، والذي تم تسعيره إلى حد كبير لشهر سبتمبر. إذا جاءت بيانات مؤشر أسعار المستهلكين الأساسية أقل قليلاً من المتوقع، فإن ذلك يمكن أن يدعم توقعات خفض الفائدة”. ويشرح وونغ أن خفض الفائدة يقلل من “تكلفة الفرصة البديلة” للاحتفاظ بالذهب، وهو أصل لا يدر عائدًا دوريًا أو فائدة. ففي بيئة أسعار الفائدة المرتفعة، تصبح السندات والأصول الأخرى ذات العائد أكثر جاذبية للمستثمرين، مما يقلل من الطلب على الذهب. أما في حال خفض الفائدة، فإن الذهب يصبح منافسًا قويًا لهذه الأصول. كما أن عائد السندات الأمريكية لأجل 10 سنوات، والذي يُعتبر مقياسًا مهمًا لتكلفة الاقتراض ومؤشرًا على التوقعات الاقتصادية طويلة الأجل، لا يزال دون مستوى مقاومة رئيسي، مما قد يضيف مزيدًا من الدعم لـأسعار الذهب.
توقعات السوق لخفض الفائدة وتأثيرها على الذهب
تشير أداة FedWatch التابعة لبورصة شيكاغو التجارية (CME) إلى أن المتداولين يسعرون احتمالية خفض الفيدرالي للفائدة الشهر المقبل بحوالي 85%. وتُعتبر هذه الاحتمالية المرتفعة انعكاسًا للتوقعات بأن الفيدرالي سيتخذ خطوات نحو سياسة نقدية أكثر تيسيرًا، وهو ما يعزز مكانة الذهب كاستثمار آمن. ومن المعروف أن الذهب يميل إلى الأداء الجيد خلال فترات عدم اليقين الاقتصادي وفي بيئات أسعار الفائدة المنخفضة، حيث يصبح الاحتفاظ به أقل تكلفة وجاذبيته تزيد. لهذا السبب، أي إشارة من الفيدرالي نحو سياسة نقدية أكثر تيسيرًا قد تزيد من الإقبال على الذهب وتدعم أسعاره. على الجانب الآخر، فإن أي إشارات على تضخم أعلى من المتوقع قد تدفع الفيدرالي لتأجيل خفض الفائدة، مما قد يضغط على أسعار الذهب على المدى القصير، حيث يفضل المستثمرون حينها الأصول التي تدر عائداً في مواجهة التضخم.
وفي سياق آخر، لم يبدِ المتداولون رد فعل يذكر على إعلان مسؤول بالبيت الأبيض أن ترامب قد وقع أمرًا تنفيذيًا يمدد تعليق الرسوم الجمركية المرتفعة على الواردات الصينية لمدة 90 يومًا أخرى. هذا يشير إلى أن تركيز السوق الرئيسي ينصب في الوقت الحالي على العوامل المحلية المتعلقة بالتضخم والسياسة النقدية، وليس على التوترات التجارية الدولية التي كانت محركًا رئيسيًا لأسعار الذهب في فترات سابقة.
على صعيد المعادن الأخرى، ارتفع سعر الفضة الفوري بنسبة 0.7% ليصل إلى 37.89 دولار للأوقية، وارتفع البلاتين بنسبة 0.4% إلى 1,331.50 دولار، وصعد البلاديوم بنسبة 0.8% ليصل إلى 1,145.03 دولار. هذه الارتفاعات الطفيفة في المعادن النفيسة الأخرى تعكس حالة الترقب الحذرة التي تسيطر على الأسواق قبل صدور البيانات الاقتصادية الهامة، وتؤكد أن المستثمرين ينتظرون إشارات واضحة لتحديد اتجاهاتهم الاستثمارية المقبلة.
اقرأ أيضا…