تباين الدولار الأمريكي مع ترقب تقرير التضخم وأسعار الفائدة والتوترات التجارية

يشهد أداء الدولار الأمريكي حالة من الاستقرار الحذر، في انتظار حدثين اقتصاديين مهمين من شأنهما تحديد مسار العملة الخضراء على المدى القصير. الأول هو الموعد النهائي لاتفاق الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين، والذي يلقي بظلاله على الأسواق العالمية، والثاني هو صدور تقرير التضخم الأمريكي، الذي يُعتبر مؤشرًا رئيسيًا لتوجهات الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة. هذه التطورات المترابطة تضع الدولار تحت ضغط مزدوج، ما يجعل الأسواق في حالة ترقب قصوى.
الدولار الأمريكي وأدائه في ظل البيانات الاقتصادية
بعد انخفاضه بنسبة 0.4% الأسبوع الماضي، استقر مؤشر الدولار عند مستوى 98.30، مما يعكس حالة الترقب في الأسواق. وجاء هذا التراجع نتيجة لصدور بيانات أمريكية ضعيفة بشكل غير متوقع بشأن التوظيف وقطاع التصنيع، ما أضعف من جاذبية الدولار الأمريكي كعملة ملاذ آمن. وفي المقابل، تداول الدولار الأمريكي مقابل الين عند 147.87، فيما انخفض اليورو بنسبة 0.1% مقابل الدولار ليصل إلى 1.1636 دولار، وهبط الجنيه الاسترليني بنسبة 0.2% إلى 1.3435 دولار. يعكس تراجع الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى بشكل خاص أن المستثمرين بدأوا بالفعل في تسعير احتمالية تحول السياسة النقدية الأمريكية نحو التيسير.
يُعد ضعف البيانات الاقتصادية من أهم العوامل التي دفعت المستثمرين إلى إعادة تقييم توقعاتهم بشأن خفض أسعار الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي. وقد أظهر مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي مؤشرات متزايدة على استعدادهم لخفض أسعار الفائدة في أقرب وقت، وتحديداً في شهر سبتمبر المقبل، وذلك في ضوء ما أظهروه من قلق متزايد إزاء سوق العمل. هذه الإشارات “الحمائمية” من قبل الفيدرالي تزيد من الضغط على الدولار، إذ أن خفض الفائدة يقلل من جاذبية العملة كأداة استثمارية، ويشجع المستثمرين على البحث عن عوائد أعلى في أسواق أخرى.
تأثير التضخم على قرارات الفيدرالي
يشكل تقرير التضخم المرتقب عاملاً حاسمًا في تحديد القرار القادم للبنك المركزي. فإذا أظهر التقرير تراجعًا في معدلات التضخم، فمن المرجح أن تتعزز التوقعات بخفض الفائدة الشهر المقبل، مما يتيح للبنك المركزي مجالاً للمناورة في مواجهة تباطؤ النمو. وعلى النقيض، إذا أشارت البيانات إلى أن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تساهم في رفع الأسعار، فقد يؤجل الفيدرالي خطوة خفض الفائدة في الوقت الحالي، ليتجنب تأجيج التضخم.
ووفقًا لفرانسيسكو بيسول، استراتيجي العملات الأجنبية في “آي إن جي”، فإن التوقعات تشير إلى أن ارتفاع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي بنسبة 0.3% على أساس شهري سيوفر للاحتياطي الفيدرالي مساحة كافية لخفض أسعار الفائدة، خاصةً في ظل التدهور الذي يشهده سوق العمل. ويتوقع اقتصاديون استطلعت “رويترز” آراءهم أن يرتفع مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي بنسبة 0.3% في شهر يوليو، ما يدفع المعدل السنوي إلى 3%. ويعتبر مؤشر التضخم الأساسي (Core CPI) مقياسًا أكثر دقة لضغوط الأسعار الأساسية لأنه يستثني أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة، وهو ما يجعله المقياس المفضل لدى صناع السياسة النقدية.
الحرب التجارية ومستقبل الدولار
بعيداً عن السياسة النقدية، يترقب العالم بفارغ الصبر الموعد النهائي في 12 أغسطس لإبرام صفقة تجارية بين الولايات المتحدة والصين. وقد أفاد كريس ويستون، رئيس الأبحاث في “بيبرستون جروب”، أن الأسواق قد قامت بالفعل بتسعير فكرة تمديد المهلة، مع ترجيح هدنة أخرى لمدة 90 يومًا. ويعود هذا التوقع إلى أن التوصل لاتفاق شامل في هذه الفترة القصيرة يبدو صعبًا، خاصة مع وجود خلافات عميقة حول قضايا رئيسية مثل الملكية الفكرية والرقابة على الشركات التقنية.
وفي خطوة مهمة، أفاد مسؤول أمريكي لـ”رويترز” أن شركات تصنيع الرقائق “إنفيديا” و”إيه إم دي” قد وافقت على تخصيص 15% من إيرادات مبيعاتها في الصين للحكومة الأمريكية، سعيًا لتأمين تراخيص تصدير أشباه الموصلات. وتأرجح اليوان الصيني، مسجلاً 7.1913 مقابل الدولار، بعد أن أظهرت بيانات أن أسعار المنتجين في الصين انخفضت بأكثر من المتوقع في يوليو. كما شهد الدولار الأسترالي تراجعًا بنسبة 0.2% قبل قرار الفائدة المرتقب، حيث من المتوقع على نطاق واسع أن يقوم البنك الاحتياطي الأسترالي بخفض الفائدة في ضوء ضعف بيانات التضخم وارتفاع معدلات البطالة.
عوامل أخرى مؤثرة على الدولار الأمريكي
ساهمت التغييرات في فريق إدارة الاحتياطي الفيدرالي، والتي يسعى من خلالها ترامب إلى تعيين شخصيات تدعم سياساته التيسيرية، في الضغط على الدولار مؤخراً. فتركيبة اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة (FOMC) تؤثر بشكل مباشر على قرارات أسعار الفائدة، وأي تغييرات في هذا الاتجاه قد تعزز التوقعات بسياسة نقدية أكثر مرونة. وفي سياق منفصل، شهدت العملات الرقمية قفزة ملحوظة، بعد صدور أمر تنفيذي من ترامب يتيح تداولها في حسابات التقاعد الأمريكية، مما دفع سعر البيتكوين للارتفاع. وقد عزز هذا القرار الثقة في قطاع العملات الرقمية وأعاد اهتمام المستثمرين، وهو ما يمثل عاملًا جديدًا يجب مراقبته في أسواق المال.
في الختام، يظل الدولار الأمريكي تحت تأثير مجموعة من العوامل المتشابكة والمعقدة. فبينما يترقب المستثمرون قرارات الفيدرالي بناءً على بيانات التضخم، فإن التطورات في المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين ستبقى محركاً رئيسياً لأداء العملة. وسيكون تفاعل هذه العوامل هو ما يحدد الاتجاه القادم للدولار الأمريكي في ظل بيئة اقتصادية وسياسية متقلبة.
اقرأ أيضا…