أسعار النفط تستقر مع ترقب الأسواق لمحادثات أمريكية روسية حاسمة

بعد أسبوع من التراجعات الحادة التي تجاوزت 4%، شهدت أسعار النفط استقراراً نسبياً يوم الاثنين، حيث حولت أنظار الأسواق تركيزها من التوترات الأسبوع الماضي إلى ما هو قادم: محادثات مرتقبة بين الولايات المتحدة وروسيا قد تعيد تشكيل ملامح سوق الطاقة العالمي. وتأتي هذه المحادثات كجزء من محاولات لإنهاء الحرب في أوكرانيا، لكن تداعياتها الاقتصادية قد تتجاوز الحدود الجغرافية للنزاع، مما يجعل النفط ليس مجرد سلعة اقتصادية، بل أداة أساسية في لعبة القوى العالمية.
التذبذب الأخير ومحفزات أسعار النفط
شهدت أسواق النفط الأسبوع الماضي ضغطاً بيعياً مكثفاً، أدى إلى انخفاض أسعار خام برنت بنسبة 4.4% وخام غرب تكساس الوسيط (WTI) بنسبة 5.1%، مدفوعاً بتقلص التوقعات بشأن اضطرابات الإمدادات. هذا الانخفاض الحاد كان بمثابة رد فعل على تصريحات أمريكية سابقة، قبل أن تفرض الولايات المتحدة رسوماً جمركية إضافية على الهند بدلاً من تطبيق عقوبات ثانوية شاملة على جميع مشتري النفط الروسي، وهو ما اعتبره السوق تخفيفاً للضغوط المتوقعة.
وفي جلسة التداول الأخيرة، سجل خام برنت ارتفاعاً طفيفاً ليلامس 66.64 دولار للبرميل، بينما تراجع خام غرب تكساس الوسيط (WTI) بشكل هامشي إلى 63.87 دولار، عاكساً حالة من الترقب والحذر. وقد أشار محلل السلع في بنك UBS، جيوفاني ستاونوفو، إلى أن الأسواق خفضت تقديراتها لتأثير انقطاع الإمدادات، وهو ما يفسر التراجع الأسبوع الماضي.
مفاوضات سياسية بآثار اقتصادية عميقة
المحور الرئيسي الذي يسيطر على معنويات السوق هو الإعلان عن لقاء وشيك بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في ألاسكا يوم 15 أغسطس، بهدف التفاوض على اتفاق سلام في أوكرانيا. هذا اللقاء يحمل أهمية اقتصادية قصوى، حيث تتزايد الضغوط الأمريكية على روسيا، مما يثير احتمال تشديد العقوبات إذا لم يتم التوصل إلى تسوية.
وقد حدد ترامب في وقت سابق موعداً نهائياً لروسيا للموافقة على السلام أو مواجهة عقوبات ثانوية على مشتري النفط الروسي، مع ممارسة ضغوط على الهند بشكل خاص لتقليل مشترياتها.
اختيار ألاسكا كموقع للمفاوضات يحمل دلالات رمزية، فالمقاطعة التي باعتها روسيا للولايات المتحدة عام 1867 تقع على مقربة جغرافية من الطرف الشرقي لروسيا، مما يجعلها نقطة التقاء تاريخية واقتصادية.
معضلة الهند بين العقوبات والاحتياجات المحلية
تعد الهند أحد أكبر المستفيدين من النفط الروسي بعد الحرب في أوكرانيا، حيث زادت وارداتها بشكل كبير مستغلة الخصومات التي قدمتها موسكو. هذا الأمر أثار حفيظة واشنطن، التي ترى في هذه التجارة دعماً غير مباشر للاقتصاد الروسي. الهند، التي تستورد حوالي 35% من إجمالي احتياجاتها النفطية من روسيا، تجد نفسها في موقف صعب، حيث تحاول الموازنة بين ضمان أمن طاقتها بأسعار مخفضة والحفاظ على علاقتها مع الولايات المتحدة.
وتظهر بيانات استشارات “إنرجي أسبكتس” أن شركات التكرير الهندية قد اشترت بالفعل 5 ملايين برميل من خام غرب تكساس الوسيط لشحنات شهر أغسطس، وهو ما يمكن تفسيره كمحاولة لتنويع مصادرها استجابة للضغوط الأمريكية، مع التأكيد على مرونة سوق الطاقة الهندي وقدرته على التكيف مع التغيرات الجيوسياسية.
زيادة المعروض العالمي وتوقعات الأسعار
بشكل مستقل عن التوترات الجيوسياسية، تشهد الأسواق العالمية زيادة في المعروض. فقد بدأ ائتلاف بقيادة “إكسون موبيل” الإنتاج في سفينة الإنتاج والتخزين والتفريغ العائمة الرابعة “ONE GUYANA” في غيانا قبل أربعة أشهر من الموعد المحدد، مما يضيف سعة إنتاجية جديدة تبلغ 250 ألف برميل يومياً. هذا التطور ساهم في رفع إجمالي الطاقة الإنتاجية لغيانا إلى أكثر من 900 ألف برميل يومياً.
هذا التطور، إلى جانب استمرار الإنتاج من الدول الخاضعة للعقوبات، دفع بنك UBS إلى تخفيض توقعاته لسعر خام برنت بنهاية العام إلى 62 دولاراً للبرميل، مقابل 68 دولاراً في تقديراته السابقة. كما توقع البنك أن يوقف تحالف “أوبك+” زياداته الإنتاجية ما لم تحدث اضطرابات كبيرة وغير متوقعة في الإمدادات، في محاولة للحفاظ على استقرار الأسواق وتوازن العرض والطلب.
تحديات مستقبلية: بين السياسة والاقتصاد
يواجه سوق النفط العالمي مجموعة معقدة من العوامل التي تتناقض في تأثيراتها. فمن ناحية، تفرض التوترات الجيوسياسية في أوروبا وتوقعات العقوبات المحتملة حالة من عدم اليقين والمخاطر التي قد تدعم الأسعار على المدى القصير. ومن ناحية أخرى، تشير العوامل الاقتصادية الأساسية، مثل زيادة الإنتاج من مناطق جديدة مثل غيانا، وتراجع الطلب من أسواق رئيسية مثل الهند، إلى احتمال وجود فائض في المعروض قد يضغط على الأسعار للأسفل. إن المحادثات المرتقبة بين الرئيسين ترامب وبوتين ليست مجرد حدث سياسي، بل هي نقطة تحول قد تحدد مسار أسعار النفط لما تبقى من العام.
في النهاية تجد أسواق النفط نفسها في مفترق طرق، حيث تتعارض التأثيرات قصيرة الأجل للتوترات الجيوسياسية مع العوامل الاقتصادية الأساسية التي تشير إلى زيادة في المعروض وتراجع في الطلب. وبينما يمكن للمحادثات الأمريكية الروسية أن تفرض اتجاهات جديدة، فإن الحقيقة الاقتصادية المتمثلة في زيادة الإنتاج وتراجع الطلب الهندي تظل عاملاً رئيسياً في تشكيل مسار الأسعار. وعلى المدى الطويل، سيعتمد استقرار السوق على كيفية إدارة اللاعبين الرئيسيين لهذه الديناميكيات المتناقضة.
اقرأ أيضا…