أسعار النفط تنتعش بدعم من الطلب الأمريكي القوي رغم التوترات الجيوسياسية

شهدت أسعار النفط ارتفاعاً ملحوظاً اليوم، لتضع حداً لسلسلة من الخسائر امتدت لخمسة أيام، مدفوعةً بإشارات قوية على متانة الطلب في الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط في العالم. هذا الانتعاش يعكس مرونة السوق أمام التحديات، لكن المكاسب ظلت مقيدة بشكل كبير بسبب المخاوف المتزايدة بشأن التأثير السلبي للتعريفات الجمركية الأمريكية الجديدة على التجارة العالمية وآفاق النمو الاقتصادي. تكمن ديناميكية السوق الحالية في هذا التوازن الهش بين الأساسيات القوية للطلب من جهة، والضغوط الاقتصادية والسياسية التي تلوح في الأفق من جهة أخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن أسعار النفط كانت قد تراجعت الأربعاء إلى أدنى مستوياتها في ثمانية أسابيع في أعقاب تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول إمكانية عقد محادثات مع روسيا، التي تعد ثاني أكبر منتج للنفط الخام في العالم. ومع ذلك، تلقت الأسواق دعماً قوياً من تقرير صادر عن إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) كشف عن انخفاض في مخزونات النفط الخام الأمريكية بأكثر من التوقعات، مما بعث رسالة إيجابية للمستثمرين حول استمرار الطلب القوي.
مؤشرات الطلب القوية تدعم أسواق النفط
يُعد تقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية (EIA) بمثابة المحرك الرئيسي لارتفاع أسعار النفط الأخيرة. فقد أظهر التقرير أن مخزونات النفط الخام الأمريكية تراجعت بمقدار 3 ملايين برميل في الأسبوع المنتهي في 1 أغسطس، لتصل إلى 423.7 مليون برميل. لم يكتفِ هذا الانخفاض بتجاوز توقعات المحللين التي كانت تشير إلى انخفاض قدره 591 ألف برميل فقط، بل عكس أيضاً نشاطاً اقتصادياً قوياً ومستداماً. ويعزى هذا الانخفاض الكبير إلى ارتفاع صادرات النفط الخام الأمريكية بشكل كبير، وزيادة معدلات تشغيل المصافي المحلية، خاصة في منطقة ساحل الخليج والساحل الغربي، حيث وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ عام 2023. هذا الارتفاع في نشاط التكرير يشير إلى طلب قوي ليس فقط على المنتجات النفطية النهائية مثل البنزين ووقود الديزل للاستهلاك المحلي، بل أيضاً على النفط الخام نفسه للتصدير، مما يؤكد دور الولايات المتحدة المتزايد كمورد رئيسي للنفط عالمياً.
وقد انعكس هذا الدعم الأساسي في ارتفاع أسعار النفط العالمية، حيث صعدت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 0.6%، لتصل إلى 67.3 دولاراً للبرميل. كما ارتفع خام غرب تكساس الوسيط (WTI) بنسبة 0.6% ليحقق 64.76 دولاراً للبرميل، مما يظهر استجابة إيجابية من الأسواق لبيانات الطلب القوية.
التوترات الاقتصادية والتعريفات الجمركية تلقي بظلالها على الأسواق
على الرغم من مؤشرات الطلب الإيجابية، إلا أن المكاسب ظلت مقيدة بشكل حذر بسبب حالة عدم اليقين الاقتصادي العالمي. يأتي هذا القلق على خلفية قرار الولايات المتحدة بفرض تعريفة جمركية إضافية بنسبة 25% على مجموعة من السلع الهندية، وذلك رداً على استمرار الهند في استيراد النفط الروسي، وهو ما يعتبر جزءاً من استراتيجية أوسع لممارسة الضغط الاقتصادي. ومن المقرر أن يدخل هذا القرار حيز التنفيذ بعد 21 يوماً من 7 أغسطس.
وفقاً لكبير محللي الأسواق في “فيليب نوفا”، بريانكا ساشديفا، فإن “هذه الرسوم الجمركية الجديدة، وإن كانت ستدخل حيز التنفيذ بعد ثلاثة أسابيع، إلا أن الأسواق بدأت بالفعل في تسعير آثارها على التدفقات التجارية، والطلب في الأسواق الناشئة، والدبلوماسية الأوسع للطاقة”. هذا يعني أن المستثمرين يتوقعون تأثيرات متتالية على سلاسل الإمداد العالمية وربما تباطؤاً في النمو الاقتصادي، مما قد يؤثر على استهلاك الوقود. بالإضافة إلى ذلك، أشار الرئيس ترامب إلى إمكانية فرض تعريفات مماثلة على الصين بسبب مشترياتها من النفط الروسي، مما زاد من قلق الأسواق بشأن اتساع نطاق هذه التوترات التجارية.
تحليلات و توقعات مستقبلية لأسواق النفط
من جهة أخرى، تقدم تحليلات “جي بي مورجان” رؤية متوازنة للمستقبل القريب. فقد أشارت إلى أن متوسط الطلب العالمي على النفط حتى 5 أغسطس بلغ 104.7 مليون برميل يومياً، وهو أقل بقليل من توقعاتهم لهذا الشهر. لكن المحللين يتوقعون تحسناً تدريجياً وملموساً في الاستهلاك العالمي خلال الأسابيع المقبلة، مدفوعاً بزيادة الطلب على وقود الطائرات الذي يشير إلى انتعاش قطاع السفر، وكذلك على اللقيم البتروكيماويات الذي يعكس نمواً في القطاع الصناعي. كما أن بيانات واردات الصين من النفط الخام في يوليو، رغم انخفاضها بنسبة 5.4% مقارنة بيونيو، إلا أنها كانت مرتفعة بنسبة 11.5% على أساس سنوي. هذا يشير إلى أن الصين، كأكبر مستورد للنفط، لا تزال تحافظ على قوة نشاط التكرير في المدى القريب، مما يوفر دعماً إضافياً للأسعار.
ختاما تستمر أسعار النفط في تلقي الدعم الأساسي من الطلب القوي في الولايات المتحدة، لكنها تواجه تحديات كبيرة ناجمة عن التوترات الجيوسياسية والقرارات الاقتصادية المتغيرة. يبقى الوضع في أسواق النفط متقلباً، حيث تتصارع قوى العرض والطلب القوية مع المخاطر الاقتصادية والسياسية العالمية، مما يتطلب من المستثمرين والمحللين مراقبة هذه العوامل المتضاربة بعناية.
اقرأ أيضا…




تعليق واحد