أخبار الأسواقأخبار النفطسلع

أسعار النفط تتراجع وسط تباين في قوى السوق

شهدت أسعار النفط تراجعًا ملحوظًا في التداولات الأخيرة، لتُنهي بذلك موجة من الارتفاعات مدفوعةً بقرار تحالف “أوبك بلس” (OPEC+) بزيادة الإنتاج في سبتمبر. إلا أن هذا التراجع لم يكن حادًا كما قد يتوقع البعض، حيث ما زالت السوق تتعرض لضغوط معاكسة من التوترات الجيوسياسية، خاصة التهديدات الأمريكية بفرض عقوبات جديدة على صادرات النفط الروسي. هذا التباين يخلق حالة من عدم اليقين، ويجعل المستثمرين يترقبون أي تطورات قد تُرجّح كفة على أخرى في هذا التوازن الهش.

قرارات “أوبك+” وتأثيرها على أسعار النفط

أعلن تحالف الدول المنتجة للنفط “أوبك بلس” عن اتفاق لزيادة الإنتاج بمقدار 547 ألف برميل يوميًا بدءًا من شهر سبتمبر. يأتي هذا القرار في إطار جهود التحالف لإعادة الحصص السوقية التي فقدها سابقًا، ويمثل خطوة مهمة نحو إنهاء التخفيضات الكبيرة التي أقرها في السنوات الماضية. وتُعد هذه الزيادة هي الأحدث في سلسلة من الزيادات المتسارعة التي يقوم بها التحالف بهدف إعادة توازن السوق، وكانت تتماشى مع توقعات غالبية المحللين، مما خفف من حدة رد فعل السوق.

وقد استجابت السوق بشكل مباشر لهذا القرار، حيث انخفضت العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 1.2% لتصل إلى 68.82 دولار للبرميل، بينما تراجعت عقود الخام الأمريكي غرب تكساس (WTI) بنسبة مماثلة لتسجل 66.51 دولار. هذا الانخفاض يعكس مخاوف السوق من زيادة المعروض، مما قد يؤدي إلى انخفاض إضافي في أسعار النفط إذا لم يرتفع الطلب العالمي بنفس الوتيرة.

وفي تعمق لتحليل القرار، يُشير محللو بنك “جولدمان ساكس” إلى أن الزيادة الفعلية في المعروض قد تكون أقل من الرقم المعلن. يتوقعون أن يبلغ الارتفاع الحقيقي في الإمدادات من الدول الثماني التي تزيد إنتاجها حوالي 1.7 مليون برميل يوميًا فقط، ويعود ذلك إلى أن أعضاء آخرين في المجموعة قد خفضوا إنتاجهم بعد أن كانوا قد تجاوزوا حصصهم في فترات سابقة. هذا التناقض بين القرار الرسمي والواقع الفعلي يضيف طبقة من التعقيد إلى ديناميكيات السوق، ويُظهر أن القدرة الكاملة للتحالف على ضخ الكميات المعلنة قد تكون محدودة.

التوترات الجيوسياسية تحمي أسعار النفط من انهيار حاد

على الرغم من قرار “أوبك بلس”، تبقى أسعار النفط تحت تأثير قوي من المخاوف الجيوسياسية، والتي تمنع حدوث انخفاض حاد. تأتي هذه المخاوف بشكل أساسي من تهديدات الولايات المتحدة بفرض عقوبات مشددة على الدول التي تستمر في شراء النفط الروسي، في محاولة للضغط على موسكو بسبب الحرب في أوكرانيا. وقد هدد الرئيس الأمريكي بفرض رسوم جمركية ثانوية بنسبة 100% على مشتري الخام الروسي، وهو ما يُعد تصعيدًا كبيرًا في الحرب الاقتصادية. هذه العقوبات قد لا تقتصر على الرسوم، بل يمكن أن تشمل حظرًا على خدمات الشحن والتأمين، مما يجعل من الصعب جدًا على أي شركة عالمية التعامل مع النفط الروسي.

ووفقًا لمحللين في مجموعة “بي في إم” (PVM)، فإن أي ارتفاع في الأسعار قد يسببه فرض عقوبات على الطاقة سيكون قصير الأجل، لكنه يظل عاملًا محوريًا في تشكيل توقعات السوق على المدى المتوسط. وقد بدأت هذه التهديدات في إحداث تأثير فعلي، حيث قامت ناقلتان على الأقل محملتان بالنفط الروسي ومتجهتان إلى مصافٍ هندية بتغيير وجهتهما. هذا التحرك، الذي أكدته مصادر تجارية وبيانات تدفقات التجارة، يُظهر أن العقوبات المحتملة ليست مجرد كلام، بل يمكن أن يكون لها عواقب فورية على سلاسل الإمداد العالمية. ومع ذلك، يرى المحللون أن أي تأثير على المدى الطويل قد يتلاشى مع إيجاد السوق لطرق بديلة مثل “أسطول الظل” من الناقلات التي تعمل خارج نطاق العقوبات الغربية.

الهند والموقف الحرج: هل تستمر في شراء النفط الروسي؟

يُعدّ موقف الهند من أبرز النقاط التي تثير قلق المستثمرين، حيث أصبحت نيودلهي أكبر مشترٍ للنفط الروسي المنقول بحرًا بعد العقوبات الغربية. ويشير محللو “آي إن جي” (ING) إلى أن توقف الهند عن شراء النفط الروسي قد يعرّض حوالي 1.7 مليون برميل يوميًا من الإمدادات للخطر، وهو ما يمثل ضغطًا كبيرًا على السوق العالمية. وتستفيد الهند من شراء النفط الروسي بأسعار مخفضة بشكل كبير، مما يُعزز من اقتصادها ويُقلل من فاتورة وارداتها الطاقوية، وهو مكسب اقتصادي يصعب التخلي عنه.

ومع ذلك، أكدت مصادر حكومية هندية أن البلاد ستواصل شراء النفط من روسيا، مستفيدةً من الخصومات الكبيرة، رغم التهديدات الأمريكية. هذا الموقف المعقد يضع الهند في مأزق بين مصالحها الاقتصادية الحيوية وعلاقاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وحلفائها. فبينما تعتمد نيودلهي على النفط الروسي لتلبية احتياجاتها المتزايدة من الطاقة، فإنها لا ترغب في تعريض علاقاتها التجارية والدفاعية مع واشنطن للخطر. هذه الديناميكية المزدوجة تجعل السوق تترقب أي تطورات مستقبلية قد تؤثر على أسعار النفط العالمية، خاصة أن إيجاد بديل لمثل هذه الكميات الكبيرة من النفط الروسي سيكلف الهند أعباء مالية ولوجستية هائلة.

نظرة مستقبلية: توازن هش في سوق النفط

تستمر سوق النفط في العمل تحت تأثير قوى متضاربة: ضغوط عرضية من “أوبك بلس” تهدف إلى زيادة الإنتاج، وضغوط جيوسياسية تهدد بخفض الإمدادات. يتوقع محللون من “جولدمان ساكس” أن الزيادة الفعلية في الإنتاج قد تكون أقل من المعلن، بسبب عدم قدرة بعض الدول الأعضاء على الوفاء بحصصها.

وفي ظل هذه التباينات، يبدو أن أسعار النفط ستظل أسيرة التوازن الهش بين العوامل الاقتصادية والسياسية. فالاستجابة لقرارات “أوبك بلس” ستكون محدودة ما دامت هناك مخاوف من تصعيد التوترات الجيوسياسية، والعكس صحيح. يضاف إلى ذلك عامل اقتصادي آخر يزيد من حالة عدم اليقين، وهو صدور بيانات ضعيفة عن نمو الوظائف في الولايات المتحدة، مما قد يشير إلى تباطؤ في الاقتصاد العالمي وبالتالي تراجع محتمل في الطلب على النفط. هذا التباطؤ المحتمل في الطلب العالمي يعمل كقوة موازنة لضغوط الإمدادات، مما يجعل حركة أسعار النفط غير مستقرة وغير قابلة للتنبؤ على المدى القريب.

يبقى للمستثمرين والمتعاملين في السوق متابعة مستجدات العلاقات الدولية عن كثب، حيث إن أي تحول مفاجئ فيها قد يعيد تشكيل مسار أسعار النفط بالكامل. وفي النهاية، فإن مسار أسعار النفط في الأمد القريب سيعتمد بشكل كبير على مدى قدرة القوى المتضاربة على التعايش، أو مدى نجاح إحداها في السيطرة على دفة السوق.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى