أخبار الأسواقأخبار الذهبسلع

أسعار الذهب تتراجع وسط جني الأرباح وارتفاع عائدات السندات

شهدت أسعار الذهب تراجعاً طفيفاً اليوم، لتتخلى عن جزء من مكاسبها القوية التي حققتها الأسبوع الماضي، وذلك في ظل ارتفاع طفيف في عائدات سندات الخزانة الأمريكية وعمليات جني الأرباح من قبل المستثمرين. يأتي هذا التراجع بعد أن صعد المعدن الأصفر بأكثر من 2% يوم الجمعة الماضية، مدفوعاً ببيانات وظائف أمريكية أضعف من المتوقع. هذا التذبذب في الأداء يسلط الضوء على حساسية المعدن الأصفر للبيانات الاقتصادية وتوجهات السياسة النقدية، مما يجعله محط أنظار المستثمرين في ظل حالة عدم اليقين السائدة.

عوامل الضغط على أسعار الذهب

في بداية تعاملات الأسبوع، انخفض سعر الذهب الفوري بنسبة 0.1% ليسجل  3,359.99 دولار للأونصة. ويعود هذا التراجع إلى عاملين رئيسيين يتبادلان التأثير على جاذبية الذهب كملاذ آمن:

  • ارتفاع عائدات السندات: ارتفعت عائدات سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات قليلاً من أدنى مستوياتها في خمسة أسابيع، مما يقلل من جاذبية الذهب الذي لا يدر عائداً. العلاقة بين الذهب وعائدات السندات هي علاقة عكسية تقليدياً؛ فعندما ترتفع العائدات، يصبح الاستثمار في السندات أكثر ربحية مقارنةً بالاحتفاظ بالذهب الذي لا يقدم أي دخل دوري. هذا التحول يجعل المستثمرين يفضلون الأصول ذات العائد المرتفع، مما يضع ضغطاً هبوطياً على أسعار الذهب. الأهم من ذلك، يولي المستثمرون اهتماماً كبيراً للعائدات الحقيقية (Real Yields)، وهي العائد الاسمي مطروحاً منه معدل التضخم المتوقع. عندما ترتفع العائدات الحقيقية، يزداد الطلب على السندات وينخفض الطلب على الذهب، والعكس صحيح.
  • جني الأرباح: بعد الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار الذهب الأسبوع الماضي، خاصةً بعد البيانات الاقتصادية الأمريكية المفاجئة، لجأ العديد من المستثمرين إلى بيع جزء من حيازاتهم لتحقيق الأرباح. تُعتبر هذه الحركة طبيعية في الأسواق، وتحدث عادةً بعد موجات صعود قوية، مما يفسر التراجع المحدود والمؤقت الذي نشهده اليوم. إنها ليست بالضرورة إشارة إلى نهاية الزخم الصعودي، بل هي مرحلة توطيد تتيح للمتداولين إعادة تقييم مراكزهم.

وفي تعليق له، قال أولي هانسن، رئيس استراتيجيات السلع في “ساكسو بنك”، إن “السوق سيبقى في نطاق محدد، حيث يتوافق تراجع اليوم مع بعض الانعكاسات التي شوهدت في الأسواق عقب تحركات يوم الجمعة الكبيرة، خاصة في عائدات السندات التي ارتفعت قليلاً والأسهم التي شهدت انتعاشاً”. وأشار إلى أن هناك حالة من “الشراء عند الهبوط” (buy-the-dip) تسود الأسواق، مما يعكس مزاجاً إيجابياً بين المستثمرين بعد تراجع الأسبوع الماضي.

توقعات بارتفاع أسعار الذهب على المدى القريب

على الرغم من التراجع الأخير، إلا أن التوقعات لا تزال متفائلة بشأن الأداء المستقبلي للذهب. فقد رفعت مجموعة “سيتي” المصرفية توقعاتها لسعر الذهب خلال الأشهر الثلاثة المقبلة إلى 3,500 دولار للأونصة من توقعها السابق عند 3,300 دولار. وتستند هذه التوقعات إلى عدة عوامل، أبرزها:

  1. تدهور التوقعات الاقتصادية الأمريكية: تتوقع “سيتي” أن يظل توقعات النمو والتضخم في الولايات المتحدة ضعيفة خلال النصف الثاني من عام 2025. هذه المخاوف من النمو البطيء وارتفاع التضخم (الركود التضخمي) تعتبر بيئة مثالية لازدهار الذهب، حيث يتجه المستثمرون إلى الأصول التي تحافظ على قيمتها الشرائية. فالركود التضخمي يمثل سيناريو مزدوج التهديد، حيث تتآكل القوة الشرائية للأموال مع ارتفاع التضخم، بينما تعاني الأصول التقليدية من تراجع النمو الاقتصادي، مما يزيد من جاذبية الذهب كملاذ آمن.
  2. التعريفات الجمركية: يأتي هذا في ظل التعريفات الجمركية الجديدة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على عدد من الشركاء التجاريين مثل كندا والبرازيل والهند وتايوان. هذه التعريفات قد تؤدي إلى ارتفاع تكاليف الاستيراد، مما يغذي المخاوف من التضخم ويزيد من حالة عدم اليقين الجيوسياسي، وكلاهما يدعم أسعار الذهب. وتُشير التوقعات إلى أن هذه التعريفات ستبقى قائمة أثناء المفاوضات التجارية، مما يطيل من أمد حالة عدم اليقين في الأسواق العالمية.
  3. البيانات الضعيفة: أشار التقرير إلى أن البيانات الضعيفة لسوق العمل الأمريكي، حيث ارتفعت الوظائف غير الزراعية بواقع 73 ألف وظيفة فقط في يوليو، قد عززت التوقعات بخفض وشيك لسعر الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي في سبتمبر. يُعتبر خفض سعر الفائدة عادةً محفزاً رئيسياً لارتفاع أسعار الذهب، حيث يقلل من تكلفة الفرصة البديلة لحيازة المعدن الأصفر ويضعف الدولار الأمريكي، مما يجعل الذهب أرخص للمشترين من حاملي العملات الأخرى. وتظهر أداة “FedWatch” التابعة لمجموعة CME أن هناك الآن احتمالاً بنسبة 78% لخفض سعر الفائدة، مما يؤكد أن الأسواق قد بدأت بالفعل في تسعير هذا الاحتمال.

هل يواصل الذهب رحلة الصعود؟

على المدى القصير، قد يواجه الذهب بعض المقاومة. ومع ذلك، فإن مخاطر الركود التضخمي وتوقعات خفض الفائدة تبقي البائعين حذرين. وفقاً لهانسن، فإن تجاوز مستوى 3,430 دولار قد يمنح الذهب زخماً صعودياً جديداً، حيث يُعتبر هذا المستوى الفني نقطة مقاومة رئيسية. اختراق هذا الحاجز السعري قد يحفز موجة من عمليات الشراء الفوري من قبل المتداولين الذين يراقبون المستويات الفنية الرئيسية، مما قد يدفع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية جديدة.

من جانب آخر، أشارت “سيتي” إلى أن قوة الطلب على الذهب كانت مدفوعة بعوامل متعددة:

  • الطلب الاستثماري القوي، من خلال صناديق المؤشرات المتداولة (ETFs) والمشترين الأفراد.
  • مشتريات البنوك المركزية المعتدلة، والتي تتجه نحو تنويع احتياطياتها بعيداً عن الدولار الأمريكي.
  • الطلب المرن على المجوهرات على الرغم من ارتفاع الأسعار، مما يشير إلى أن المستهلكين في الأسواق الرئيسية مثل آسيا لا يزالون ينظرون إلى الذهب كأصل ثقافي واستثماري.

هذه العوامل الأساسية تشير إلى أن هناك دعماً هيكلياً قوياً لسوق الذهب، مما يجعل أي تراجع قصير الأجل فرصة للشراء بدلاً من إشارة إلى نهاية الاتجاه الصعودي.

وفي النهاية، يظل الذهب ملاذاً آمناً خلال فترات عدم اليقين السياسي والاقتصادي. ومع استمرار المخاوف بشأن النمو العالمي، والتضخم، والتوترات الجيوسياسية، فإن الطلب القوي من البنوك المركزية والمستثمرين يضع أرضية صلبة لاستمرارية أسعار الذهب في مسارها الصعودي، مما يجعله مكوناً أساسياً في محافظ الأصول المتنوعة.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى