أخبار الأسواقأخبار النفطسلع

أسعار النفط تستقر مع تقييم المستثمرين للرسوم الجمركية وتوقعات السوق المستقبلية

شهدت أسعار النفط العالمية نهاية أسبوع متوازنة، بعد أن سجلت مكاسب أسبوعية لافتة، لتستقر في ظل حالة من الحذر والترقب. ويعود هذا الهدوء النسبي إلى استمرار المستثمرين في تقييم التأثيرات المعقدة للرسوم الجمركية التي أعلنتها الإدارة الأمريكية مؤخرًا. هذا الاستقرار جاء بعد جلسة سابقة شهدت تراجعاً حاداً بأكثر من 1%، مما يؤكد التقلبات الشديدة التي تخضع لها الأسواق النفطية نتيجة لتداخل العوامل الجيوسياسية والاقتصادية. وقد انعكس هذا الأداء على المكاسب الأسبوعية الإجمالية، حيث حقق خام برنت ارتفاعاً بنسبة 5%، بينما كان أداء خام غرب تكساس الوسيط أقوى مع مكاسب بلغت 6.6%. هذه الأرقام تشير إلى وجود زخم شرائي في السوق مدفوع بالعديد من العوامل، رغم حالة عدم اليقين المتزايدة.

ووصل سعر عقود خام برنت الآجلة إلى 71.89 دولار للبرميل، مسجلاً ارتفاعاً طفيفاً بواقع 19 سنتاً، بينما ارتفعت عقود خام غرب تكساس (WTI) إلى 69.46 دولار للبرميل، بزيادة بلغت 20 سنتاً. هذه الحركة السعرية، رغم تواضعها، تعكس حالة من التوازن الهش بين قوتين متعارضتين: التفاؤل بشأن الطلب القوي في الولايات المتحدة، والقلق المتزايد من التوترات التجارية العالمية التي قد تؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي، وبالتالي تراجع الطلب على النفط. كما أن المكاسب الأسبوعية الكبيرة تشير إلى أن الأسواق لا تزال مدفوعة بالزخم، لكنها تنتظر إشارات واضحة حول مسار السياسات الاقتصادية والتجارية قبل اتخاذ اتجاه حاسم.

الاستراتيجية الأمريكية للتعريفات الجمركية

كانت الرسوم الجمركية التي أطلقها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هي المحرك الرئيسي لاهتمام الأسواق. فبموجب قرارات تنفيذية، تم فرض تعريفات جمركية جديدة تتراوح بين 10% و41% على واردات من عشرات الدول. وتُعتبر هذه الإجراءات جزءًا لا يتجزأ من أجندة “أمريكا أولاً” التي تسعى إلى حماية الصناعات المحلية وإعادة تشكيل ميزان التجارة العالمي لصالح الولايات المتحدة. وقد شملت هذه الإجراءات مجموعة واسعة من السلع، بما في ذلك الصلب والألمنيوم، بالإضافة إلى منتجات أخرى من دول مثل كندا والهند وتايوان، مما أثار قلقاً واسعاً بشأن سلاسل الإمداد العالمية. في المقابل، تم استثناء الدول التي لديها اتفاقيات تجارية محددة مع الولايات المتحدة، مثل الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية واليابان وبريطانيا.

هذه الاستثناءات تعكس استراتيجية مزدوجة تجمع بين الضغط على بعض الشركاء التجاريين ومنح الحوافز للبعض الآخر، بهدف إضعاف التحالفات التجارية التي لا تتماشى مع الأهداف الأمريكية. وقد عبرت العديد من الدول المتضررة، مثل الصين وكندا، عن خيبة أملها وأعلنت عن خطط لاتخاذ إجراءات مضادة، وهو ما ينذر بتصاعد حرب تجارية قد تؤثر على الاقتصاد العالمي بشكل أوسع. فقد أشار خبراء اقتصاديون إلى أن هذه التعريفات قد تكلف الشركات الأمريكية خسائر هائلة قد تصل إلى تريليوني دولار، بينما حذر صندوق النقد الدولي من مخاطر كبرى على الاقتصاد العالمي في ظل حالة عدم اليقين المتزايدة.

تهديد النفط الروسي: سلاح اقتصادي جديد

لعل أخطر التهديدات التي أطلقت كان ذلك المتعلق بالنفط الروسي، حيث هدد ترامب بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على مشتري النفط الروسي، في محاولة للضغط على روسيا لوقف الحرب ضد أوكرانيا. هذا التهديد لم يقتصر تأثيره على روسيا فقط، بل أثار مخاوف واسعة النطاق بشأن تعطيل تدفقات النفط العالمية، خاصةً وأن روسيا تعد أحد أكبر المنتجين والمصدرين للنفط.

وما يميز هذا التهديد هو مفهوم “التعريفات الجمركية الثانوية” الذي يفرض رسوماً على الدول التي تستمر في شراء النفط الروسي، مما يضع دولاً رئيسية مثل الهند والصين في موقف صعب. فكلاهما مضطر للاختيار بين التجارة مع الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، أو الاستمرار في شراء النفط الروسي الذي يعتبر شريان حياة للاقتصاد الروسي. وقد سلط محللو جيه بي مورجان الضوء على حجم هذه المخاطر، مشيرين إلى أن تحذيرات ترامب لكل من الصين والهند، وهما ثاني وثالث أكبر مستهلكين للنفط في العالم على التوالي، قد تعرض نحو 2.75 مليون برميل يومياً من صادرات النفط الروسي للخطر. هذه الكمية الضخمة تمثل شريان حياة للاقتصاد الروسي، وأي تعطيل لها من شأنه أن يخلق فجوة كبيرة في الإمدادات العالمية، مما قد يرفع الأسعار بشكل حاد ويؤدي إلى صدمة نفطية.

التضخم والركود: عوامل متضاربة في سوق النفط

مع ذلك، فإن الصورة ليست وردية بالكامل بالنسبة لأسواق النفط. ففي حين أن المخاوف الجيوسياسية تدعم الأسعار، يرى بعض المحللين أن الرسوم الأمريكية قد تقلل من النمو الاقتصادي العالمي، مما يؤثر سلبًا على الطلب على النفط. كما أن البيانات الأخيرة عن التضخم في الولايات المتحدة تظهر أن الرسوم الجمركية تساهم في رفع أسعار السلع الاستهلاكية، وهو ما قد يدفع البنوك المركزية لاتخاذ إجراءات من شأنها كبح التضخم، مثل الإبقاء على أسعار الفائدة مرتفعة أو حتى رفعها، وهو ما يضع ضغطًا إضافيًا على النمو الاقتصادي.

هذه العوامل المتضاربة تضع المستثمرين في حيرة بين التأثيرات الصعودية الناتجة عن نقص المعروض المحتمل، والتأثيرات الهبوطية التي قد تنجم عن تباطؤ الطلب الاقتصادي. إن هذا التناقض الجوهري في قوى السوق يجعل من الصعب التنبؤ بالمسار المستقبلي للأسعار، ويدفع المحللين إلى مراقبة المؤشرات الاقتصادية عن كثب، لا سيما قرارات البنوك المركزية وأي تطورات جديدة في سياسات التجارة العالمية. فارتفاع تكاليف الاستيراد نتيجة للرسوم الجمركية ينتقل في نهاية المطاف إلى المستهلكين، مما يؤدي إلى زيادة معدلات التضخم. هذا التضخم بدوره يضغط على الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة، وهو ما يزيد من تكلفة الاقتراض للشركات والأفراد، ويقلل من الإنفاق والاستثمار، مما قد يدفع الاقتصاد نحو الركود. وبالتالي، فإن التهديد المزدوج المتمثل في ارتفاع الأسعار بسبب التوترات الجيوسياسية وتباطؤ الطلب بسبب المخاوف الاقتصادية يفرض تحديًا كبيرًا على أسواق النفط العالمية.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى