نمو الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 3% في الربع الثاني متجاوزا التوقعات

أظهرت بيانات وزارة التجارة الأمريكية يوم الأربعاء أن الاقتصاد الأمريكي نما بوتيرة أقوى بكثير من المتوقع في الربع الثاني من العام، مما يدل على مرونة ملحوظة في مواجهة حالة عدم اليقين التجاري العالمي. يعود هذا الأداء القوي بشكل أساسي إلى تحول كبير في الميزان التجاري وزيادة في الإنفاق الاستهلاكي، وهما ركيزتان أساسيتان للاقتصاد.
سجل الناتج المحلي الإجمالي، وهو المقياس الأوسع للنشاط الاقتصادي ويشمل قيمة جميع السلع والخدمات المنتجة، نموًا سنويًا معدلًا حسب التضخم بنسبة 3% في الفترة من أبريل إلى يونيو. جاء هذا الرقم ليتجاوز بشكل كبير متوسط توقعات المحللين الذي كان عند 2.3%. يمثل هذا النمو تحولًا إيجابيًا ومرحبًا به بعد الأداء الضعيف في الربع الأول الذي شهد انخفاضًا بنسبة 0.5%، مما أثار مخاوف بشأن تباطؤ محتمل. هذا الأداء القوي، على الأقل ظاهريًا، يتحدى الروايات التي كانت تتحدث عن ركود وشيك.
تفاصيل نمو الناتج المحلي الإجمالي
كان السبب الرئيسي وراء هذا الارتفاع المفاجئ في الناتج المحلي الإجمالي هو الانخفاض الحاد وغير المعتاد في الواردات. وفقًا للصيغة الحسابية للناتج المحلي الإجمالي، يتم طرح الواردات من المجموع، وبالتالي فإن انخفاضها يساهم إيجابيًا في الرقم النهائي. تراجعت الواردات بنسبة 30.3%، وهو تحول جذري عن الربع الأول الذي شهد قفزة بنسبة 37.9% حيث سارعت الشركات لتخزين السلع قبل فرض التعريفات الجمركية التي أعلن عنها الرئيس دونالد ترامب. هذا التقلب الحاد هو نتيجة مباشرة للتوترات التجارية، حيث أدى “السحب الآجل” للواردات في الربع الأول إلى فراغ في الربع الثاني. وفي المقابل، انخفضت الصادرات بنسبة 1.8%، مما يعكس تأثير التوترات التجارية والنمو العالمي البطيء على الطلب الخارجي على السلع الأمريكية.
على الصعيد المحلي، شهد الإنفاق الاستهلاكي، الذي يمثل حوالي ثلثي النشاط الاقتصادي الأمريكي، ارتفاعًا بنسبة 1.4%، مقارنة بنمو ضئيل بلغ 0.5% في الربع السابق. يُظهر هذا استمرار قوة المستهلك الأمريكي وثقته، مدعومًا بسوق عمل قوي ونمو في الأجور، على الرغم من المخاوف المستمرة بشأن تأثير التعريفات الجمركية على أسعار السلع. هذا الصمود الاستهلاكي كان حاسمًا في منع الاقتصاد من التباطؤ بشكل أكبر.
مؤشرات التضخم وموقف مجلس الاحتياطي الفيدرالي
ألقى تقرير الناتج المحلي الإجمالي الضوء أيضًا على بيانات التضخم التي يراقبها مجلس الاحتياطي الفيدرالي عن كثب. ارتفع مؤشر أسعار نفقات الاستهلاك الشخصي، وهو مقياس التضخم المفضل لدى البنك المركزي، بنسبة 2.1%، متجاوزًا بشكل طفيف هدف الفيدرالي البالغ 2%. والأهم من ذلك، ارتفع المؤشر الأساسي، الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة ويُعتبر مؤشرًا أفضل للاتجاهات طويلة الأمد، بنسبة 2.5%. على الرغم من أن هذه الأرقام أعلى من الهدف، إلا أنها تمثل تباطؤًا عن الربع الأول، مما قد يمنح الفيدرالي بعض المرونة في قراراته المستقبلية.
وعقب صدور التقرير، استغل الرئيس ترامب الأرقام القوية لتجديد دعوته لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة، بحجة أن التضخم تحت السيطرة وأن هناك حاجة لتحفيز الاقتصاد بشكل أكبر، خاصة قطاع الإسكان.
علامات على تباطؤ محتمل تحت السطح
على الرغم من قوة الرقم الرئيسي للناتج المحلي الإجمالي، كشف التقرير عن بعض الإشارات التي قد تدل على تباطؤ كامن في الاقتصاد. ارتفعت المبيعات النهائية للمشترين المحليين في القطاع الخاص، وهو مقياس يراقبه الفيدرالي لتقييم الطلب الأساسي في الاقتصاد لأنه يستبعد التقلبات الكبيرة في التجارة والمخزونات، بنسبة 1.2% فقط. يمثل هذا تباطؤًا من 1.9% في الربع الأول وهو أبطأ معدل نمو منذ الربع الأخير من عام 2022. هذا الرقم يشير إلى أن الطلب الداخلي الحقيقي قد يكون أضعف مما يوحي به الرقم الإجمالي للناتج المحلي الإجمالي.
بالإضافة إلى ذلك، واصل قطاع الإسكان ضعفه، حيث انخفض الاستثمار السكني بنسبة 4.6%. يعكس هذا الانخفاض تأثر القطاع بشكل مباشر بارتفاع معدلات الرهن العقاري، وهو ما كان نقطة انتقاد مستمرة من قبل الرئيس ترامب للسياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي. ضعف هذا القطاع له تداعيات أوسع، حيث يؤثر على الوظائف في قطاع البناء والطلب على السلع المعمرة مثل الأثاث والأجهزة. تشير هذه الأرقام مجتمعة إلى أن الاقتصاد قد لا يكون قويًا كما يوحي الرقم الرئيسي للنمو، وأن هناك تحديات هيكلية لا تزال قائمة.
اقرأ أيضا…