أخبار الأسواقاخبار اقتصاديةأخبار الدولار الأمريكي

تصريحات جيروم باول: الفيدرالي في وضع “الانتظار والترقب” وسط تحديات التضخم والمخاطر العالمية

أنهى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي اجتماعه الأخير الأربعاء الماضي، وقرر الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير. في المؤتمر الصحفي الذي تلا القرار، قدم رئيس الفيدرالي الأمريكي، جيروم باول، رؤية مفصلة حول الوضع الاقتصادي الحالي، وكشف عن التحديات التي يواجهها صانعو السياسة. يمكن تلخيص رسالة باول الأساسية في أن البنك المركزي لا يزال في وضع “الانتظار والترقب”، رغم الضغوط المتزايدة من عدة جبهات.

الفيدرالي يفضل الحذر: التضخم والنمو في الميزان

باول وزملاؤه في لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية (FOMC) صوتوا بالإجماع على تثبيت سعر الفائدة الرئيسي في نطاق 4.25%-4.5%. هذا القرار، الذي كان متوقعًا على نطاق واسع، يعكس حذر البنك المركزي في ظل بيئة اقتصادية معقدة.

التوقعات الاقتصادية المعدلة: كشف باول عن تحديثات لتوقعات اللجنة الاقتصادية، والتي تضمنت:

  • نمو الناتج المحلي الإجمالي: خفضوا توقعات النمو لعام 2025 إلى 1.4% من 1.7%، مما يشير إلى تباطؤ محتمل في النشاط الاقتصادي.
  • التضخم: رفعوا توقعات التضخم في نهاية عام 2025 إلى 3% من 2.7%، مما يبرز استمرار القلق من ضغوط الأسعار.
  • البطالة: توقعوا ارتفاعًا طفيفًا في معدل البطالة بنهاية العام ليصل إلى 4.5%.

هذه التوقعات تظهر معضلة حقيقية أمام الفيدرالي الأمريكي: فمن ناحية، يشير التضخم المرتفع إلى ضرورة سياسة نقدية مقيدة لكبح الأسعار. ومن ناحية أخرى، يدعو تباطؤ النمو وارتفاع معدلات البطالة إلى سياسة تيسيرية لتحفيز الاقتصاد. هذه المعضلة تعني أن الفيدرالي الأمريكي يسير على حبل رفيع، محاولاً الموازنة بين هذه الأهداف المتعارضة.

“مخطط النقاط” يكشف انقساماً.. وباول يقلل من شأنه

كان “مخطط النقاط” (Dot Plot)، الذي يعكس توقعات كل عضو من أعضاء اللجنة لمسار أسعار الفائدة، في صدارة اهتمام المستثمرين. ورغم أن متوسط توقعات اللجنة ظل يشير إلى خفضين في أسعار الفائدة لعام 2025، إلا أن تفاصيل المخطط كشفت عن انقسام واضح. فقد خفض سبعة مسؤولين توقعاتهم ليشيروا إلى عدم وجود أي خفض للفائدة هذا العام، مقارنة بأربعة في مارس. وأشار اثنان آخران إلى خفض واحد فقط.

عندما سُئل عن هذا الانقسام، قلل باول من شأن أهمية التوقعات الفردية، مشيرًا إلى أن “لا أحد يمتلك قناعة كبيرة بمسارات أسعار الفائدة هذه” نظرًا للمستوى المرتفع لعدم اليقين في الاقتصاد. هذه التصريحات قد تهدف إلى تخفيف حدة التوقعات وتأكيد أن قرارات الفيدرالي ستظل “تعتمد على البيانات” ومرنة تجاه التطورات المستقبلية.

لغة باول: “الانتظار لمعرفة المزيد”

أكد باول على أن الفيدرالي الأمريكي “في وضع جيد للانتظار لمعرفة المزيد عن المسار المحتمل للاقتصاد قبل التفكير في أي تعديلات على موقف سياستنا”. هذه الرسالة تعكس نهجًا حذرًا وصبورًا، وهو ما يُفضله البنك المركزي في ظل:

  1. غموض تأثير تعريفات ترامب: لا يزال التأثير طويل الأجل لسياسات الرئيس دونالد ترامب التجارية، وخاصة التعريفات الجمركية الموسعة، غير واضح. ورغم أن مؤشرات التضخم لم تتغير كثيرًا منذ تطبيق التعريفات، يعتقد الفيدرالي الأمريكي أن تكلفتها ستنتقل في النهاية إلى المستهلكين. قال باول: “في النهاية، يجب دفع تكلفة التعريفة، وسيسقط جزء منها على المستهلك النهائي… نعرف أن هذا قادم، ونريد فقط أن نرى قليلاً من ذلك قبل أن نصدر أحكاماً مبكرة”. هذا يعني أن الفيدرالي الأمريكي ينتظر رؤية تأثير واضح للتعريفات على أسعار المستهلكين قبل اتخاذ قرارات بشأن أسعار الفائدة.
  2. صراع الشرق الأوسط: التوترات المتصاعدة بين إسرائيل وإيران تهدد بزعزعة استقرار سوق الطاقة العالمي، مما قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، وبالتالي تغذية التضخم. هذا يُضيف متغيراً آخر يُعقد مهمة تحديد السياسة النقدية.
  3. تباين إشارات سوق العمل: رغم أن معدل البطالة لا يزال منخفضًا (4.2%)، فقد أظهر تقرير الوظائف الأخير تباطؤًا تدريجيًا. كما أن ارتفاع مطالبات البطالة المتكررة يُشير إلى صعوبة في العثور على وظائف جديدة. يُشير باول إلى استقرار سوق العمل بشكل عام كسبب إضافي للتحلي بالصبر.

الضغط السياسي ومستقبل الفيدرالي

واجه باول وحلفاؤه في الفيدرالي الأمريكي حملة ضغط مكثفة من الرئيس ترامب ومسؤولين آخرين في إدارته، للمطالبة بخفض أسعار الفائدة. وصف ترامب باول بـ”الغبي” وطالبه بخفض الفائدة بنقطتين مئويتين لتوفير “مئات المليارات” من الدولارات على البلاد. ورغم تصريحات ترامب القاسية، أكد باول وزملاؤه مرارًا أنهم لن يتأثروا بالضغوط السياسية، وأن قراراتهم تستند فقط إلى البيانات الاقتصادية وهدفهم المزدوج المتمثل في استقرار الأسعار والحد الأقصى من التوظيف.

تُظهر الأسواق حاليًا احتمالية بنحو 74% لخفض أسعار الفائدة في سبتمبر، مما يعكس توقع المتداولين بأن الفيدرالي الأمريكي قد يضطر في النهاية إلى التيسير إذا استمرت البيانات في إظهار علامات ضعف أو اعتدال في التضخم.

يُشير جولدمان ساكس إلى أن الفيدرالي الأمريكي سيلتزم بتوقعات خفضين في أسعار الفائدة هذا العام، لكنهم يتوقعون في النهاية خفضًا واحدًا فقط. كما يتوقعون رفع توقعات التضخم إلى 3% لعام 2024 بأكمله، وخفضًا طفيفًا في نمو الناتج المحلي الإجمالي إلى 1.5%، وارتفاعًا في معدل البطالة إلى 4.5%. هذه التوقعات تُبرز التحدي المتمثل في الموازنة بين النمو والتضخم في ظل بيئة اقتصادية وسياسية متقلبة.

صيف من الانتظار والترقب

تُشير تصريحات جيروم باول الأخيرة إلى أن الفيدرالي الأمريكي يفضل سياسة “الانتظار والترقب” خلال الأشهر القادمة. فالبنك المركزي يواجه تحديات متعددة: تضخم مُحير، سوق عمل يُظهر علامات تباطؤ، توترات تجارية غير مؤكدة، وصراع جيوسياسي يُهدد باستقرار أسعار الطاقة.

ستظل أنظار الأسواق مُترقبة لبيانات الاقتصاد القادمة خلال الصيف، حيث سيستخدمها الفيدرالي الأمريكي لتقييم التأثيرات طويلة الأجل لهذه العوامل قبل اتخاذ أي قرارات جوهرية بشأن السياسة النقدية. هذا يعني أن المستثمرين يجب أن يستعدوا لفترة من التقلبات، وأن يظلوا على اطلاع دائم بالتطورات الاقتصادية والجيوسياسية التي قد تُشكل مسار أسعار الفائدة والدولار الأمريكي في النصف الثاني من العام.

اقرأ أيضا…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى