الدولار الأمريكي يتراجع بعد تقارير تضخم معتدلة: سوق العمل يُظهر علامات تعب وتوقعات الفيدرالي تزداد غموضاً

شهد الدولار الأمريكي تراجعاً ملحوظاً مقابل الين واليورو يوم الخميس، وذلك بعد أن أظهرت بيانات حديثة أن التضخم الأساسي في أكبر اقتصاد في العالم ارتفع بأقل من المتوقع خلال الشهر الماضي. هذا التطور، الذي يُضاف إلى تقرير مثير للقلق يكشف أن الأمريكيين الذين فقدوا وظائفهم يستغرقون وقتاً أطول بشكل متزايد للعثور على عمل جديد، يُعزز التكهنات بأن البنك الاحتياطي الفيدرالي قد يُجبر على خفض أسعار الفائدة في وقت أقرب مما كان يُعتقد، مما يُلقي بظلاله على العملة الخضراء.
بيانات التضخم: هدوء نسبي يثير تساؤلات حول السياسة النقدية
جاءت أرقام التضخم من مكتب إحصاءات العمل الأمريكي (BLS) لتُقدم صورة مُركبة. فقد أظهر مؤشر أسعار المستهلك الأساسي (Core CPI) – وهو مقياس مفضل لدى البنك المركزي لأنه يُستثني أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة ويُعطي إشارة أفضل للاتجاهات طويلة الأجل في التضخم – ارتفاعاً بنسبة 0.1% فقط في مايو، بعد أن كان قد سجل 0.2% في أبريل. هذا الرقم جاء أقل من التوقعات، مما يُشير إلى أن ضغوط الأسعار ليست بالحدة التي كانت تُخشى في السابق.
وبشكل منفصل، أظهر مؤشر أسعار المنتجين الأمريكيين (Producer Price Index – PPI)، والذي يُقيس التضخم على مستوى الجملة وُيعد مؤشراً مبكراً لأسعار المستهلك المستقبلية، تراجعاً معتدلاً في مايو. هذا يُشير إلى أن التعريفات الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترامب لم تُظهر بعد تأثيراً كبيراً على ارتفاع الأسعار للمستهلكين والشركات، على الأقل في المدى القريب.
تأثير هذه الأرقام: بعد صدور هذه البيانات، تراجعت عوائد سندات الخزانة الأمريكية، مما يعكس توقعات السوق بأن الاحتياطي الفيدرالي قد يتجه نحو سياسة نقدية أكثر تيسيراً (خفض أسعار الفائدة). هذا التحول في التوقعات يُقلل من جاذبية الدولار الأمريكي، حيث أن أسعار الفائدة المنخفضة تُقلل من العائد الذي يُمكن للمستثمرين الحصول عليه من الأصول المقومة بالدولار.
سوق العمل الأمريكي: علامات تعب تثير القلق
على الرغم من أن أرقام التضخم قد تُعطي بعض الراحة، إلا أن تقرير سوق العمل يُثير القلق. فقد ارتفعت المطالبات المتكررة لإعانات البطالة في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى لها منذ نهاية عام 2021. هذا مؤشر واضح على أن الأمريكيين الذين فقدوا وظائفهم يواجهون صعوبة متزايدة في العثور على عمل جديد، وأن فترة البحث عن الوظيفة قد أصبحت أطول.
تفاصيل مقلقة:
- ارتفاع المطالبات المستمرة: تقدمت المطالبات المستمرة، التي تُعد مؤشراً على عدد الأشخاص الذين يتلقون إعانات البطالة، إلى 1.96 مليون في الأسبوع المنتهي في 31 مايو، وهو رقم فاق جميع التقديرات في استطلاع أجرته بلومبرج. هذا يشير إلى أن عدد الأشخاص العاطلين عن العمل لفترات طويلة يتزايد.
- تزامن مع تباطؤ التوظيف: يتزامن هذا الارتفاع في المطالبات المتكررة مع تباطؤ عام في معدلات التوظيف، مما يُشير إلى ضعف في قدرة الاقتصاد على خلق وظائف جديدة بالسرعة الكافية لاستيعاب العاطلين عن العمل.
- تقلبات موسمية: يُغطي التقرير فترات شملت عطلة يوم الذكرى وبداية العطلات الصيفية للمدارس في بعض الولايات، مما قد يُساهم في تقلب البيانات. ومع ذلك، فإن الاتجاه العام لا يزال يُشير إلى تدهور.
- تباين المسوحات: أظهرت البيانات تباينات بين “مسح المؤسسات” (الذي يُستخدم لعدد الوظائف الرئيسية) و”مسح الأسر” (الذي يُستخدم لمعدل البطالة). مسح الأسر، الذي يُعد أكثر تقلباً، أظهر انخفاضاً كبيراً في عدد العاملين.
يُشير الاقتصاديون إلى أن “أصحاب العمل حذرون بشأن آفاق النمو، مما يؤدي إلى معدل توظيف ضعيف نسبياً ويجعل من الصعب على الذين يفقدون وظائفهم العثور على وظائف جديدة”. هذه الصورة تُظهر أن سوق العمل، الذي كان يُعتبر نقطة قوة للاقتصاد الأمريكي، قد بدأ يُظهر علامات تعب.
الاحتياطي الفيدرالي: بين نار التضخم ورماد التباطؤ
يُتوقع على نطاق واسع أن يُبقي مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ثابتة في اجتماعهم الأسبوع المقبل. فهم ينتظرون لمعرفة كيفية تأثير سياسات الرئيس دونالد ترامب على الاقتصاد بشكل كامل. فرغم تباطؤ نمو الوظائف، إلا أنه لا يزال يُعتبر “صحياً” في مايو، بينما أظهرت بيانات التضخم تأثيرًا محدودًا للتعريفات حتى الآن.
معضلة الفيدرالي: يواجه الاحتياطي الفيدرالي معضلة: فمن جهة، لا يزال قلقاً بشأن التضخم الذي قد يرتفع مستقبلاً بسبب التعريفات الجمركية. ومن جهة أخرى، تُشير بيانات سوق العمل والتضخم الأخيرة إلى أن الاقتصاد قد لا يكون قوياً بما يكفي لتحمل أسعار الفائدة المرتفعة لفترة طويلة. هذا الوضع يزيد من الضغط على البنك المركزي لاتخاذ قرارات دقيقة.
دعوات لخفض الفائدة: يدعو نائب الرئيس الأمريكي جاي دي فانس، ومعه الرئيس ترامب، الاحتياطي الفيدرالي إلى خفض أسعار الفائدة، معتبرين أن رفض الخفض في ظل بيانات التضخم المعتدلة يُعد “سوء ممارسة نقدية”. ومع ذلك، يُفضل صانعو السياسة في الاحتياطي الفيدرالي التريث لتقييم التأثير الكامل للتعريفات الجمركية على الاقتصاد قبل اتخاذ أي قرارات جذرية بشأن أسعار الفائدة.
مسار الدولار الأمريكي: بين التحديات الداخلية والضغوط الخارجية
في ضوء هذه التطورات، يُواجه الدولار الأمريكي مساراً مليئاً بالتحديات. فقد تراجع مقابل الين واليورو بعد صدور بيانات التضخم وسوق العمل. فبينما يُمكن لخفض أسعار الفائدة أن يُقلل من تكلفة الاقتراض ويُحفز الاقتصاد، إلا أنه أيضاً يُقلل من جاذبية العملة للمستثمرين الباحثين عن عوائد أعلى.
ختاما يتراجع الدولار الأمريكي مع ظهور علامات على تباطؤ في سوق العمل وتضخم أكثر اعتدالاً مما كان متوقعاً. هذه البيانات تُعزز التوقعات بأن الاحتياطي الفيدرالي قد يضطر إلى خفض أسعار الفائدة في وقت أقرب، مما يُلقي بظلاله على العملة الخضراء. في الوقت نفسه، تُواصل السياسات التجارية للرئيس ترامب وتأثيرها المحتمل على الاقتصاد إثارة القلق في الأسواق. ستبقى أنظار المستثمرين مُترقبة لأي إشارات جديدة من الاحتياطي الفيدرالي حول مساره المستقبلي، حيث ستُحدد هذه القرارات إلى حد كبير اتجاه الدولار الأمريكي في الفترة المقبلة.
اقرأ أيضا….