الدولار الأمريكي يتراجع بعد مكاسب الوظائف: حذر يسبق محادثات التجارة الأمريكية-الصينية الحاسمة

شهد الدولار الأمريكي تراجعا مقابل معظم العملات الرئيسية يوم الاثنين، حيث طغت حالة الحذر التي تسبق محادثات التجارة المحورية بين الولايات المتحدة والصين، على التفاؤل الذي أثاره تقرير التوظيف الأمريكي الذي جاء أفضل من المتوقع. تُعقد هذه المحادثات الهامة في لندن اليوم، وستُحدد إلى حد كبير مسار التوترات التجارية العالمية التي تُلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي.
تراجع الدولار: الأرقام ومؤشرات السوق
انخفض الدولار الأمريكي بنسبة 0.2% تقريباً مقابل العملة اليابانية ليصل إلى 144.635 ين في تعاملات أواخر الصباح. ويأتي هذا التراجع بعد أسبوعين متتاليين من المكاسب للعملة الأمريكية. وفي المقابل، ارتفع اليورو بشكل طفيف مقابل الدولار الأمريكي ليصل إلى 1.1404 دولار، بينما صعد الجنيه الإسترليني بنسبة 0.3% ليصل إلى 1.3558 دولار.
تعكس هذه التحركات حذر المستثمرين قبيل المحادثات، خاصة وأن الصين تواجه تحديات اقتصادية كبيرة. فقد أظهرت البيانات تباطؤ نمو الصادرات الصينية إلى أدنى مستوى له في ثلاثة أشهر في مايو، حيث أثرت التعريفات الجمركية الأمريكية على الشحنات. كما شهد تضخم أسعار المصانع (Factory-gate deflation) أسوأ مستوى له في عامين. وأظهرت بيانات الجمارك أن صادرات الصين إلى الولايات المتحدة انخفضت بنسبة 34.5% على أساس سنوي في مايو من حيث القيمة، وهو أكبر انخفاض منذ فبراير 2020. هذه الأرقام تُبرز الضغوط التي تواجهها ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
محادثات التجارة والتوترات الاقتصادية
يتواجد كبار المسؤولين من الولايات المتحدة والصين في لندن اليوم لإجراء اجتماع يهدف إلى معالجة الخلافات حول اتفاق أولي تم التوصل إليه الشهر الماضي في جنيف، والذي كان قد هدّأ التوترات بين الاقتصادين الأكبر في العالم لفترة وجيزة.
تأتي هذه المحادثات في توقيت حرج للجانبين. ففي حين تكافح الصين مع الانكماش وتأثير التعريفات الجمركية، فإن حالة عدم اليقين التجاري تُضعف المعنويات بين الشركات والمستهلكين الأمريكيين، مما يدفع المستثمرين إلى إعادة تقييم وضع الدولار الأمريكي كملاذ آمن.
وعلق خوان بيريز، مدير التداول في Monex USA بواشنطن، قائلاً: “الدولار يواجه صعوبة في العثور على اتجاه واضح بعد بيانات الأسبوع الماضي، والوضع يبدو أكثر كأن الاحتياطي الفيدرالي سيحتاج في النصف الثاني من العام إلى التحول إلى سياسة حمائمية (مُيسرة) للمساعدة في البيئة المالية”. وأضاف: “في النهاية، إذا كانت الولايات المتحدة ستكافح، فلا يوجد سبب واضح للثقة طويلة الأجل في الدولار”.
السياسات النقدية وتوقعات الفائدة
على الرغم من تقرير التوظيف الأمريكي الذي جاء أفضل من المتوقع، والذي أظهر أن أصحاب العمل أضافوا 139 ألف وظيفة في مايو، إلا أن المستثمرين قلصوا توقعاتهم لخفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي هذا العام من خفضين إلى خفض واحد فقط في أكتوبر.
وفي هذا السياق، ستكون أنظار السوق متجهة إلى تقرير التضخم الأمريكي لشهر مايو، المقرر صدوره في وقت لاحق من الأسبوع. يبحث المستثمرون وصناع السياسة في الاحتياطي الفيدرالي عن أدلة حول الضرر الذي أحدثته السياسات التجارية التقييدية على الاقتصاد. وقد أشار مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي إلى أنهم “لا يتعجلون” في خفض أسعار الفائدة، ومن المرجح أن تُعزز علامات المرونة الاقتصادية موقفهم هذا. وتشير العقود الآجلة لأسعار الفائدة إلى أن المستثمرين يتوقعون أن البنك المركزي قد يخفض تكاليف الاقتراض بمقدار 25 نقطة أساس، مع توقع أول تحرك في أكتوبر من هذا العام.
وعلق محللون في ANZ Bank قائلين: “مايو هو أول شهر يُتوقع فيه ظهور تأثير تعريفة ترامب العالمية البالغة 10% على الواردات من خارج اتفاقية الولايات المتحدة والمكسيك وكندا”. وأضافوا: “سيرغب الاحتياطي الفيدرالي في الحصول على بيانات تضخم لعدة أشهر من أجل الحكم على تأثير التعريفة، والأهم من ذلك، استمراريتها”.
أسواق أخرى تتأثر: الين، الدولار الأسترالي والنيوزيلندي
تُشير التوترات التجارية أيضاً إلى تأثيرات على عملات أخرى. فقد ذكرت مصادر مطلعة أن اليابان تدرس إعادة شراء بعض السندات الحكومية طويلة الأجل التي أصدرتها في الماضي بأسعار فائدة منخفضة، مما يؤكد تركيزها على كبح أي ارتفاعات مفاجئة في عوائد السندات.
ويرى كيت جاكس، كبير استراتيجيي العملات الأجنبية في سوسيتيه جنرال، أن عملات منطقة آسيا والمحيط الهادئ، بما في ذلك الين الياباني والدولاران الأسترالي والنيوزيلندي، من المرجح أن تشهد أكبر رد فعل على عناوين الأخبار القادمة من المحادثات. فقد ارتفع الدولار النيوزيلندي بنسبة 0.5% ليصل إلى 0.6045 دولار أمريكي، بينما صعد الدولار الأسترالي بنسبة 0.3% ليصل إلى 0.6515 دولار أمريكي، في أحجام تداول خفيفة بسبب عطلة عامة.
كما أن هناك تقريرًا يفيد بأن كبير المفاوضين التجاريين الياباني، ريوسي أكازاوا، يخطط لجولة سادسة من المحادثات في واشنطن، مما يؤكد استمرار الدبلوماسية التجارية.
ختاما يتأرجح الدولار الأمريكي وسط عوامل متضاربة: بيانات التوظيف الأمريكية القوية تدعم العملة، بينما تُلقي حالة عدم اليقين المحيطة بمحادثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين بظلالها. التوترات التجارية لها تأثيرات ملموسة على الاقتصاد الصيني، مما يزيد من الضغوط على النمو العالمي. ستبقى أنظار المستثمرين متجهة نحو لندن لمتابعة نتائج المحادثات، بالإضافة إلى تقرير التضخم الأمريكي، حيث ستكون هذه العوامل حاسمة في تحديد مسار الدولار الأمريكي والسياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي في الفترة المقبلة.
اقرأ أيضا….