أسعار الذهب: صراع التوقعات بين بيانات الوظائف الأمريكية والتوترات التجارية العالمية

شهدت أسعار الذهب ثباتا ملحوظا خلال الأيام الماضية، في ترقب حذر من المستثمرين لصدور بيانات الوظائف الأمريكية غير الزراعية المرتقبة يوم الجمعة. هذه البيانات، التي تحظى باهتمام كبير من الأسواق المالية، ستلعب دورا حاسما في تحديد مسار السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وبالتالي التأثير بشكل مباشر على جاذبية المعدن الأصفر. يأتي هذا الثبات في الوقت الذي تستمر فيه التوترات التجارية العالمية في إلقاء ظلالها على المشهد الاقتصادي، مما يضيف طبقة أخرى من التعقيد لتوقعات أسعار الذهب.
ترقب بيانات الوظائف الأمريكية
استقرت أسعار الذهب الفورية عند مستوى 3,373.69 دولار للأوقية، بينما تراجعت العقود الآجلة للذهب الأمريكي بشكل طفيف بنسبة 0.1% لتصل إلى 3,397.20 دولار. هذا الثبات الظاهري يعكس حالة “الترقب والانتظار” التي تسود الأسواق قبل صدور بيانات الوظائف.
يشير ريكاردو إيفانجيليستا، كبير المحللين في شركة الوساطة ActivTrades، إلى أن “مسار المقاومة الأقل لا يزال نحو الصعود، على الرغم من هذا الاستقرار الحالي في تداولات الذهب. أعتقد أن هذا يرجع بشكل أكبر إلى وضع المترقبين قبل صدور بيانات الوظائف غير الزراعية.”
وكان تقرير التوظيف الوطني الصادر عن ADP يوم الأربعاء قد كشف عن زيادة أقل بكثير من المتوقع في عدد الوظائف بالقطاع الخاص الأمريكي خلال شهر مايو. وتتوقع استطلاعات رويترز أن يظهر تقرير الوظائف غير الزراعية الشامل يوم الجمعة زيادة قدرها 130 ألف وظيفة في مايو، بعد أن سجلت 177 ألف وظيفة في أبريل.
يعد سوق العمل القوي عادة مؤشرا على نمو اقتصادي صحي، مما قد يدفع الاحتياطي الفيدرالي إلى التفكير في رفع أسعار الفائدة لمكافحة التضخم. وعلى النقيض، فإن ضعف سوق العمل قد يزيد من الضغوط على الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة لدعم الاقتصاد.
خفض الفائدة دعم محتمل لأسعار الذهب
في خطوة لافتة، دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يوم الأربعاء رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إلى خفض أسعار الفائدة. يرى إيفانجيليستا أن “ضعف سوق العمل الأمريكي سيزيد من الرهانات على سياسة أكثر تيسيرا من قبل الاحتياطي الفيدرالي، وبالتالي خفض أسعار الفائدة، وهذا سيكون إيجابيا للذهب.”
ويعرف الذهب تقليديا بأنه ملاذ آمن خلال فترات عدم اليقين السياسي والاقتصادي. كما أنه يزدهر عادة في بيئة أسعار الفائدة المنخفضة. فعندما تكون أسعار الفائدة منخفضة، يقل العائد على الأصول الأخرى مثل السندات، مما يجعل الذهب، الذي لا يقدم عائدا، أكثر جاذبية للمستثمرين كأداة لحفظ القيمة.
التوترات التجارية رياح داعمة لأسعار الذهب
تتواصل التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين في التأثير على معنويات السوق. وصف الرئيس ترامب، في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، الرئيس الصيني شي جين بينغ بأنه “صعب” و “من الصعب للغاية التوصل إلى اتفاق معه”، مما خفف الآمال في نهاية سريعة للتوترات التجارية. في الوقت نفسه، دخل قرار ترامب بمضاعفة الرسوم الجمركية على واردات الصلب والألمنيوم حيز التنفيذ يوم الأربعاء.
وتعد التوترات التجارية مصدرا رئيسيا لعدم اليقين الاقتصادي، مما يدفع المستثمرين للبحث عن الأصول الأكثر أمانا مثل الذهب. يرى كارستن مينكي، المحلل في Julius Baer، أن أسعار الذهب ستواصل صعودها، قائلا: “نحن نلتزم بأهدافنا السعرية البالغة 3,350 دولار و 3,500 دولار على مدى 3 و 12 شهرا على التوالي، مما يعكس أولا وقبل كل شيء استمرار عمليات الشراء من قبل البنوك المركزية، بالإضافة إلى الطلب القوي من الباحثين عن الملاذات الآمنة.”
نظرة على المعادن الثمينة الأخرى
في سياق متصل، تراجعت أسعار الفضة الفورية بنسبة 0.6% لتصل إلى 34.74 دولار للأوقية، لكنها سجلت أعلى مستوى لها منذ أكتوبر 2012. وارتفع البلاتين بنسبة 3.6% إلى 1,123.15 دولار، مسجلاً أعلى مستوى له منذ أبريل 2023. كما صعد البلاديوم بنسبة 1.7% ليصل إلى 1,017.37 دولار. تشير هذه التحركات إلى تحول في اهتمام المستثمرين ضمن قطاع المعادن الثمينة، حيث تستفيد بعض المعادن من العوامل الاقتصادية الكلية والتوترات الجيوسياسية.
ختاما تبقى أسعار الذهب تحت تأثير مزيج من العوامل الاقتصادية الكلية والجيوسياسية. بينما يترقب المستثمرون بيانات الوظائف الأمريكية الحاسمة لتقييم مسار أسعار الفائدة، فإن استمرار التوترات التجارية العالمية يوفر دعما قويا للمعدن الأصفر كملاذ آمن. وفي ظل هذه الظروف، يبدو أن الطريق لا يزال مفتوحا أمام أسعار الذهب لمواصلة صعودها، مدعومة بسياسات البنوك المركزية والبحث المستمر عن الأمان في عالم يزداد تقلباته.
اقرأ أيضا…