تباين الدولار الأمريكي بين ضبابية التعريفات ومؤشرات اقتصادية متضاربة

شهد الدولار الأمريكي أداء متباينا يوم الجمعة، لكنه يتجه نحو تحقيق أول مكسب شهري مقابل الين الياباني هذا العام. يأتي هذا الأداء المختلط في ظل حالة عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق، حيث يدرج المستثمرون في حساباتهم احتمال بقاء التعريفات الجمركية بشكل ما، حتى مع مواجهة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لمعركة قضائية حول صلاحيته في فرضها. هذه العوامل المتشابكة، إلى جانب البيانات الاقتصادية المتباينة، ترسم صورة معقدة لمستقبل الدولار الأمريكي.
معركة التعريفات الجمركية: نزاع قضائي يؤثر على مسار الدولار
تعد قضية التعريفات الجمركية من أهم العوامل التي تؤثر في تحركات الدولار الأمريكي مؤخرا. فقد أعادت محكمة استئناف فدرالية يوم الخميس تفعيل معظم تعريفات ترامب الجمركية الأكثر شمولا، بعد يوم واحد من حكم محكمة تجارية أمريكية قضى بأن ترامب قد تجاوز صلاحياته في فرض تلك الرسوم وأمر بوقفها الفوري. هذا التطور القضائي، الذي يعكس صراعًا بين السلطتين التنفيذية والقضائية في الولايات المتحدة، يضيف طبقة من عدم اليقين إلى المشهد التجاري العالمي.
وعلى الرغم من أن المستوى الدقيق للتعريفات الجمركية التي ستظل سارية على الشركاء التجاريين لا يزال غير معروف، يتوقع المتداولون أن الرسوم ستستمر بشكل ما. يقول ستيف إنجلاندر، رئيس قسم أبحاث العملات الأجنبية لمجموعة G10 والاستراتيجية الكلية لأمريكا الشمالية في Standard Chartered Bank فرع نيويورك: “سيكون لدينا بعض التعريفات الجمركية. ربما لن تكون مثيرة للجدل مثل ما تم الإعلان عنه في 2 أبريل، لكنها ستظل موجودة”. وأضاف إنجلاندر أن “الشيء الوحيد الذي قد يكون حكم المحكمة قد فعله هو الحد من حجم الصدمات التي يمكن لترامب أن يطلقها من خلال عنوان رئيسي أو تعليق في مؤتمر صحفي”. هذا يشير إلى أن المستثمرين أصبحوا أكثر حذرا بشأن التأثيرات الفورية لتصريحات ترامب.
من جانبه، صرح بيتر نافارو، مستشار التجارة بالبيت الأبيض، يوم الخميس أن إدارة ترامب ستسعى لتطبيق التعريفات الجمركية بوسائل أخرى إذا خسرت المعارك القضائية المتعلقة بسياستها التجارية في نهاية المطاف. هذا يؤكد تصميم الإدارة على المضي قدمًا في أجندتها التجارية، مما يبقي حالة عدم اليقين قائمة حول مستقبل الدولار الأمريكي المرتبط بقوة بهذه السياسات.
مخاوف اقتصادية وتجارية: عوامل متضاربة
يبدي المستثمرون قلقاً من أن التعريفات الجمركية ستبطئ النمو الاقتصادي وتعيد إشعال التضخم. ومع ذلك، ساهمت الاتفاقيات المتعلقة بإلغاء زيادات التعريفات الجمركية على الصين والاتحاد الأوروبي، في ظل استمرار مفاوضات الشروط التجارية، في تقليل التشاؤم بشأن التوقعات الاقتصادية الأمريكية.
وشهد الدولار الأمريكي ارتفاعا لفترة وجيزة يوم الجمعة بعد أن قال ترامب إن الصين “انتهكت اتفاقا” بشأن التعريفات الجمركية مع الولايات المتحدة. وفي اليوم السابق، قال وزير الخزانة سكوت بيسينت إن المحادثات التجارية بين الولايات المتحدة والصين “متوقفة إلى حد ما”. لاحقًا يوم الجمعة، صرح ترامب بأنه سيتحدث مع الرئيس الصيني شي جين بينغ ويأمل في حل خلافاتهما بشأن التجارة والتعريفات الجمركية. هذه التصريحات المتناقضة والمتغيرة باستمرار تزيد من ضبابية المشهد وتجعل التنبؤ بمسار الدولار الأمريكي أكثر صعوبة.
تُعتبر التعريفات الجمركية أيضا مصدرا رئيسيا للإيرادات مع عمل الكونغرس على مشروع قانون لخفض بعض ضرائب الدخل، مما يضيف بعدًا ماليًا إلى هذه المعركة التجارية.
بيانات اقتصادية أمريكية: استقرار نسبي وسط تحديات
لم يظهر الدولار الأمريكي رد فعل كبيرا على البيانات الصادرة يوم الجمعة، والتي أظهرت أن الإنفاق الاستهلاكي الأمريكي ارتفع بشكل هامشي في أبريل، حيث تباطأت الاندفاعات لشراء السلع قبل ارتفاع الأسعار بسبب رسوم الاستيراد، بينما تراجع التضخم خلال الشهر.
وأظهر تقرير منفصل أن العجز التجاري الأمريكي في السلع تضيق بشكل حاد في أبريل، مع تلاشي التأثير من تسريع الواردات قبيل فرض التعريفات الجمركية. يرى إنجلاندر أن “لا شيء في البيانات كان مفاجئًا بشكل واضح مقارنة بالتوقعات ليولد تحركا حاسما في السوق”.
تعد بيانات تقرير الوظائف لشهر مايو، المقرر صدورها يوم الجمعة القادمة، محل مراقبة دقيقة لأي مؤشرات على ضعف سوق العمل، بعد أن أظهرت بيانات يوم الخميس “قفزة أكبر من المتوقع” في مطالبات البطالة في الأسبوع الأخير.
ويشدد محللو بنك أوف أمريكا، أثاناسيوس فامفاكيديس وكلاوديو بيرون، في تقرير صادر يوم الجمعة، على أن “ضعفا إضافيا للدولار الأمريكي يتطلب بيانات أضعف”. ويضيفان: “إذا استمر الاقتصاد الأمريكي في تحدي الجاذبية بطريقة ما، فإننا نتوقع أن يبدأ المستثمرون في تجاهل الضوضاء السياسية والعودة إلى شراء الأصول الأمريكية، مما يدعم الدولار؛ وستعود التفردية الأمريكية. ومع ذلك، إذا شهد الاقتصاد الأمريكي هبوطا حقيقيا، فإننا نتوقع أن يضعف الدولار أكثر إلى مستويات منخفضة جديدة لهذا العام”.
السياسات النقدية العالمية وتأثيرها على الدولار
على صعيد العملات الأخرى، تراجع اليورو بنسبة 0.12% ليصل إلى 1.1356 دولار. ويتجه اليورو نحو تحقيق مكسب شهري بنسبة 0.27%، وهو الأصغر منذ فبراير. في ألمانيا، تراجع التضخم بشكل أكبر في مايو، مما جعله أقرب إلى هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2% وعزز من احتمالية خفض سعر الفائدة الأسبوع المقبل.
في المقابل، تراجع الدولار الأمريكي بنسبة 0.21% مقابل الين الياباني ليصل إلى 143.88 ين. ومع ذلك، يتجه الدولار الأمريكي نحو تحقيق زيادة شهرية بنسبة 0.6% مقابل العملة اليابانية، وهو أول شهر أخضر منذ ديسمبر. هذا المكسب يأتي رغم أن التضخم الأساسي في العاصمة اليابانية وصل إلى “أعلى مستوى له منذ أكثر من عامين” بسبب الارتفاع المستمر في تكاليف الغذاء، مما يبقي البنك المركزي الياباني تحت الضغط لزيادة أسعار الفائدة بشكل أكبر. هذه التباينات في السياسات النقدية والتوقعات الاقتصادية العالمية تزيد من تعقيد حركة الدولار الأمريكي.
ختاما يواجه الدولار الأمريكي في الوقت الحالي بيئة معقدة من التحديات. فبينما تحاول الإدارة الأمريكية المضي قدمًا في أجندة التعريفات الجمركية رغم المعارك القضائية، فإن البيانات الاقتصادية المتضاربة وتوقعات السياسات النقدية العالمية تزيد من عدم اليقين. مسار الدولار الأمريكي سيتأثر بشكل كبير بقدرة الولايات المتحدة على إدارة هذه التحديات، واستقرار اقتصادها، والتطورات في السياسات التجارية الدولية. على المستثمرين الأفراد والقراء العاديين مراقبة هذه العوامل عن كثب، حيث أن كل منها يحمل القدرة على تحريك قيمة العملة الخضراء في اتجاهات مختلفة.
اقرأ أيضا…
تعليق واحد